في مواجهة أزمة "السترات الصفراء" التي تقود الاحتجاجات ضد رفع الضرائب على الوقود، والتي هدّدت بالتظاهر للسبت الرابع ما لم تستجب الحكومة لمطالبها، بدأت الحكومة الفرنسية، أمس، مشاورات سياسية واسعة النطاق تستمر يومين، بعد أعمال الشغب الخطيرة التي واكبت التحركات الاحتجاجية مع مثول أول الموقوفين أمام القضاء.

Ad

قادة الأحزاب

وفي حين كان من المقرر أن يحضر رئيس الوزراء إدوار فيليب مؤتمر المناخ في كراكوفيا ببولندا، استقبل فيليب، أمس، بطلب من الرئيس إيمانويل ماكرون، قادة الأحزاب السياسية الرئيسة، في مرحلة أولى من أسبوع حافل يلتقي خلاله في مكتبه أيضا ممثلين عن "السترات الصفراء".

وامتنع ماكرون الذي عاد الأحد من الأرجنتين عن الإدلاء بأي تصريحات، بعدما عاين الأضرار الجسيمة التي لحقت بنصب قوس النصر والمناطق المجاورة له في باريس جراء أعمال تخريب، وبعد اجتماع أزمة عقده مع وزراء رئيسيين حول هذا الموضوع.

وبالتالي، فإن فيليب هو الذي يتولى التحركات بحثا عن حل لهذه الأزمة الأخطر في عهد ماكرون.

القادة السياسيون

ومن القادة السياسيين الذين سيستقبلهم على مدى يومين: نيكولا دوبون إينيان (حزب "انهضي فرنسا"، يمين) وأوليفييه فور (الحزب الاشتراكي، يسار) وبونوا آمون ("أجيال"، يسار) وجان كريستوف لاغارد ("اتحاد الديمقراطيين والمستقلين"، وسط) ومارين لوبن ("التجمع الوطني"، يمين متطرف) وفلوريان فيليبو ("الوطنيون"، يمين متطرف) ولوران فوكييه ("الجمهوريون"، يمين الوسط).

وحرص فرانسوا بايرو، رئيس حزب "موديم" (وسط) العضو في الغالبية الرئاسية، على النأي بنفسه عن الموقف الحازم التي تتبعه الحكومة حيال التحركات، وستمثله نائبته على رأس الحزب ماريال دوسارنيز.

ويتنافس قادة أحزاب المعارضة في طرح اقتراحات دستورية، من حل الجمعية الوطنية برأي لوبن، وجان لوك ميلونشون ("فرنسا المتمردة"، يسار راديكالي)، الذي سيغيب عن الحوار، إلى تنظيم استفتاء عرضه لوران فوكييه، وصولا إلى رحيل ماكرون برأي فرانسوا روفان النائب من "فرنسا المتمردة".

تعليق الضرائب

ويطالب معظم الأطراف بتأجيل دخول الزيادة في سعر البنزين والديزل حيز التنفيذ عن الموعد المقرر أول يناير المقبل، وجعلت جاكلين مورو، وهي من أبرز وجوه المتظاهرين، من ذلك شرطا مسبقا للدخول في محادثات مع الحكومة.

وبين المطالب الأخرى التي يطرحها المتظاهرون، معاودة فرض الضريبة على الثروة بشكل فوري، بعدما خفضها ماكرون بنسبة كبيرة.

انتفاضة

وفاجأ ما يعرف باسم انتفاضة "السترات الصفراء" ماكرون عندما تفجرت الأحداث يوم 17 نوفمبر الماضي، وهي تمثّل تحديا هائلا أمام الرئيس البالغ 40 عاما، بينما يحاول إنقاذ شعبيته التي هوت بسبب إصلاحات اقتصادية ينظر إليها على أنها منحازة للأغنياء.

وعاث المحتجون فسادا في أرقى الأحياء الباريسية السبت، وأحرقوا عشرات السيارات ونهبوا متاجر وحطموا نوافذ منازل فاخرة ومقاه، في أسوأ اضطرابات بالعاصمة منذ عام 1968، وبلغت قيمة خسائرها حتى أمس، ملايين الدولارات.

ومع عودة الحركة مجددا الى محيط قوس النصر، واصل محتجون أمس تظاهراتهم في وسط باريس، وأشعلوا الإطارات في بعض شوارعها.

«توتال»

وقال ناطق باسم شركة "توتال"، إن المحتجين قطعوا الطرق المؤدية إلى 11 مستودعا للوقود تملكها الشركة أمس، وإن البنزين غير متوافر في 75 من محطات الوقود التابعة لها.

وتضم حركة "السترات الصفراء"، أطيافا من المؤيدين من مختلف الأعمار والمهن والمناطق، وبدأت على الإنترنت كرد فعل عفوي على رفع أسعار الوقود، لكنها تحولت إلى تعبير أوسع عن الغضب لارتفاع تكاليف المعيشة على أبناء الطبقة المتوسطة.

والحركة بلا زعامة واضحة، مما يجعل المحادثات أكثر تعقيدا بالنسبة إلى الحكومة.

ويبقى السؤال عما إذا كانت باريس ستشهد يوم سبت رابعا من التظاهرات، في وقت تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي منذ الآن دعوات بهذا الصدد، وعلّق رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه على الموضوع "سنرى في أي حال ستكون السلطة التنفيذية".

ونقلت صحيفة "التايمز" البريطانية عن وزير الداخلية كريستوف كاستانير - الذي لوّح بفرض حال الطوارئ كحلّ أخير لفرض الأمن - أن قوات الأمن تعمل على "تكييف الأساليب المستخدمة للمحافظة على النظام"، الأمر الذي اعتبره مراقبون "تهديدا مبطنا" للمحتجين.

إلا أن ماكرون يرفض العودة إلى حال الطوارئ، التي استمرت عامين تقريبا، بعد الهجمات الإرهابية في نوفمبر 2015، كما أن وزير عدله، استبعد أمس هذه الفكرة.

وتعكس هذه التصريحات قلق الوزراء العميق من فشل قوات شرطة مكافحة الشغب بفرنسا في احتواء الاحتجاجات المستمرة منذ 3 أسابيع، الأمر الذي يدفع باتجاه تشديد القبضة الأمنية لقمعها. وفي هذا السياق، أعلن رئيس شرطة باريس ميشال ديلبيش، أنه سيتم الرد على أعمال العنف "غير المسبوقة" في باريس.

وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "هاريس إنتر أكتيف" بعد اضطرابات السبت الأخير، أن التأييد الشعبي لـ "السترات الصفراء" ما زال مرتفعا، إذ يؤيد الاحتجاجات 7 بين كل 10 فرنسيين.

وعلى الصعيد القضائي، بدأت محاكمة عشرات المشتبه فيهم اعتبارا من أمس، أمام محكمة الجنح في باريس خلال جلسات مثول فوري.