يهدد الرئيس الأميركي بإقفال الحدود مع المكسيك كي يمنع دخول طالبي اللجوء القادمين من أميركا الوسطى، كذلك يهدد بتعطيل الحكومة إذا لم يموّل الكونغرس جداره الحدودي، ويأتي كل هذا في الأسبوع ذاته الذي ينوي فيه توقيع اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية الجديدة بعد مراجعتها، علماً أنها صارت تُعرف بـ"اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكند".لكن هذا الوضع قد يزداد تشوّشاً وغرابة بعدما أدلى أندريس مانويل لوبيز أوبرادور بالقسم ليصبح رئيس المكسيك الجديد. صحيح أننا قلما نسمع أمراً مماثلاً جنوب الحدود، إلا أن "أملو"، كما يُعرف هذا الرئيس، يتشاطر مع ترامب بعض الصفات، منها كره الدمج الاقتصادي الأعمق مع العالم الخارجي. لهذا السبب، قد يناسبه على الأرجح أن يتولى الرئيس المنتهية ولايته إنريكي بينيا نييتو توقيع هذه الاتفاقية مع واشنطن وأوتاوا في الساعات الأخيرة من إدارته.
سيشكل ترامب و"أملو" شراكة اقتصادية غريبة نظراً إلى إصرار كلا الرجلين على وضع بلدهما أولاً. على غرار ترامب، "أملو" قومي شعبوي، مع أنه من نوع أكثر ميلاً إلى البروليتارية، وعلى غرار ترامب، يدّعي "أملو" أن داعميه حصلوا على الأسوأ من النخبة الأكثر عولمة في أمته، وعلى غرار ترامب، لا يهوى "أملو" الأعراف والضوابط والموازين القائمة، معتبراً إياها ذريعة تستخدمها المؤسسة الحاكمة لقمع الناخبين الذين جاء اليوم ليُنصفهم.كان "أملو" رئيساً منتخباً كثير الانشغال بطرق أثارت قلق الأسواق المالية، فقد عقد استفتاء شعبياً لا صيغة قانونية له تركّز خصوصاً بين داعميه وهدف إلى تصديق قراره إلغاء بناء مطار دولي جديد في مكسيكو بكلفة 13 مليار دولار. لكن طريقة عمل "أملو" (تجاهله العقود القائمة) وتشديده على ضرورة اعتياد الاستماع أكثر لصوت الشعب إلى تراجع في البورصة المكسيكية وقيمة البيزو.أما استفتاء "أملو" الشعبي الثاني، فيبرهن على ما يبدو دعم الشعب للمشروع الأحب إلى قلبه: إقامة خط قطار سريع من العاصمة مكسيكو إلى موطنه في ولاية تاباسكو أو ما يُعرف بقطار المايا، فضلاً عن سلة من السلع مثل شبكة واي-فاي ونظام رعاية صحية شاملين مجانيين، بدون التفكير في الكلفة والسبل. بالإضافة إلى ذلك، يؤكد الرئيس المنتخب اليوم أنه يرغب في تعديل دستور المكسيك ليسمح بإجراء الاستفتاءات الرسمية بوتيرة أكبر. كذلك يخطط لإنشاء منصب "مفوض فائق" في كل ولاية ليكون مبعوثه ويتولى الإشراف على البرامج الفدرالية كافةً وتنسيقها. لكن الحكام يعتبرون هذه الخطوة تعدياً على شؤونهم السيادية وانتهاكاً للفدرالية في المكسيك، إلا أن "أملو" وحركة الإحياء الوطني (مورينا) التي يرأسها يتمتعان بالأكثرية في مجلسَي الكونغرس كليهما وفي الكثير من المجالس التشريعية في الولايات، لذلك لن يواجه على الأرجح عقبات تُذكر في تطبيقه ما يدعوه "التحول الرابع" في المكسيك. ولكن ما سيكون تأثير استعراضَي "أملو" وترامب أحدهما في الآخر؟ يبقى هذا السؤال مفتوحاً على كل الاحتمالات. ضمت إدارة المكسيك المنتهية ولايتها عدداً كبيراً من التكنوقراط الذين سعوا إلى تفادي كل استفزازات ترامب بغية الحد من الضرر في العلاقة بين البلدين، حتى إن الرئيس بينيا نييتو ذهب بهذه الاستراتيجية أخيراً إلى حد لا يمكن تعليله، مانحاً غاريد كوشنر أعلى وساما قد يحصل عليه أجنبي في المكسيك، وسام نسر الأزتيك، رغم استهجان واشمئزاز المسكيكيين من شتى الانتماءات السياسية.لا ننسى بالتأكيد أزمة الحدود المزعومة. ذكر مركز بيو للأبحاث قبل أيام أن عدد المهاجرين الذين لا يحملون وثائق شرعية بلغ ذروته في الولايات المتحدة في عام 2007 مع 12.2 مليوناً، إلا أنه انخفض أخيراً إلى 10.7 ملايين. علاوة على ذلك، تراجع كثيراً عدد المكسيكيين الذين يعبرون الحدود بطريقة غير شرعية مقارنةً بالماضي، وذلك نتيجة الركود الكبير في الولايات المتحدة، والتدابير الأمنية الأكثر تشدداً التي سبقت ترامب، وارتفاع أعداد المسنين في المجتمع المكسيكي، لكن كل هذه الأرقام والوقائع لا تعني شيئاً في وجه تلك القافلة الشهيرة من الهندوراسيين العالقة اليوم في تيخوانا.من السهل نسبياً (من حيث المبدأ) أن يتوصل ترامب و"أملو" إلى مقاربة مشتركة لمعالجة مشكلة المهاجرين الاقتصاديين واللاجئين الفعليين من أميركا الوسطى وحلها، لكن ترامب يبدو أكثر توقاً إلى المغالاة في عرض مشكلة اللاجئين كي يحقق مكاسب سياسية. وبما أن "أملو" يعشق المواجهة على غرار ترامب، فلن يدير على الأرجح الخد الآخر.* أندريس مارتينيز* «ذي أتلانتك»
مقالات
العلاقات الأميركية - المكسيكية على وشك أن تزداد غرابة
04-12-2018