الآن وثقافة عيش المتعة
![طالب الرفاعي](/theme_aljarida/images/authorDefault.png)
وعي الإنسان وحده يقرر نمط الحياة الذي يحيا. فإذا ما انتبه إلى أن لحظة عمره التي تمر لا يمكن أن تعود، وأن عليه أن يحيا اللحظة بطعمها وحدثها ورتمها، فإنه يعيش وعياً لحظياً متجدداً، وبما يساعده على التمتع بلحظات عمره. وعلى العكس من ذلك، مَن يرهن لحظة العيش الحاضرة للتفكير والتأسف على لحظة عيش انتهت أو ذكرى مرَّت ولا تزال تسيطر عليه، أو حتى الخوف مما يحمله الغد، ولا فرق بين التوجع على لحظة ماضية أو الخوف من لحظة قادمة، ففي المحصلة تحترق اللحظة الحاضرة دون أن يذوق رحيقها الإنسان، ويمر عمره وهو في بئر البؤس، وليس لشيء سوى وعي خاطئ بقيمة اللحظة العابرة. ثقافة عيش اللحظة العابرة ترتبط أساساً بالوعي، وبقدرة الإنسان على مراقبة وعيه. فوعي الإنسان وانتباهه إلى أنه مخلوق يعيش لحظة عابرة لا يمكن أن تقف أو تتكرر، لحظة غالية يجب عليه تسخيرها في كل ما من شأنه أن يسعده ومن حوله، وأن يقدم له ولمن حوله الخير والحب والسلام. خلاف ذلك تتسرَّب لحظات عمر سابقة لتأكل لحظات العُمر الآنية. وهذا غالباً ما يؤدي إلى خلق إنسان متشائم، إنسان لا يعرف طعماً للحظته العابرة سوى طعم المرار الذي خلفته لحظة سابقة في فمه.إن لحظة الحياة متجددة، ومتغيرة، ويستحيل لأي لحظة أن تشبه لحظة سابقة أو لاحقة، حتى لو تراءى للبعض خلاف ذلك. فالزمن لا يعود أو يتكرر، والماء العابر في النهر لا يمكن أن يكون نفسه في لحظتين متتاليتين.أولى علامات وعي الإنسان لوعيه، أن ينتبه لما حوله من البشر وجميع عناصر الطبيعة، وأن يقتنع بأنه جزء صغير في عالم شاسع، لدرجة لا يمكن الإلمام بها، وأنه يؤثر ويتأثر بما حوله، رضي بذلك أو لم يرضَ.كيفما تنظر للعالم ينظر إليك، هي القاعدة الأساسية لعيش المتعة أو الضيم. فإذا أحسَّ الإنسان بأنه ضحية العالم الذي يحيط به، فإن العالم سيسعى لتأكيد هذا الإحساس لديه، وإذا عاش مؤمنا بأنه منسجم وسعيد مع مَن حوله، جرى كل ما حوله ليثبت إليه تلك القناعة.الإنسان يقول للعالم من حوله أحبك، فيجيبه العالم وأنا أحبك أكثر، وإذا نفخ متأففاً بكرهه، ردَّ عليه العالم: وأنا أكرهك أضعافاً مضاعفة!