كيف للأفكار الصغيرة أن تصبح ملء السماء، وتتحول إلى أكبر من الواقع؟ كيف تحولت فكرة بسيطة في سنة 1954 إلى مجلة العربي؟ هل كان مؤسسوها يتخيلون حجم تلك الفكرة؟ يجيب بدر خالد البدر: بالطبع لا.حدثني صديق عربي عن مجلة العربي، موضحاً أنه تتلمذ على مكوناتها، وعرف الكثير عن الدول العربية من خلالها، ثم قال: "سأعترف لك بأنني لم أكن أعلم أنها تصدر من الكويت، وعندما علمت بذلك، تساءلت انه لابد أن في الكويت مناخاً ومعطيات مختلفة تجعل مطبوعة بهذه الرشاقة والغزارة تستمر في الصدور دون توقف". تلك كانت المعادلة.
أظن أنه لو كانت "العربي" تصدر في مكان آخر، لتفاخر بها المتفاخرون، وجعلوها في مقدمة إهداءاتهم، وخطاباتهم الإعلامية، لكنها الكويت، سلوكها الإيجابي لا يصل إلى الإعلام.كيف ظهرت "العربي" إلى الوجود قبل ستين سنة؟ في مقابلة قديمة مع الراحل بدر خالد البدر، قال إن التحضير استغرق ٤ سنوات، كنا نفكر في إصدار مجلة ثقافية في هيئة تحرير "الكويت اليوم" سنة 1954 . وما إن تأسست دائرة المطبوعات والنشر، وترأسها حينذاك سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد. وبعد مشاورات حثيثة مع كتاب ومثقفين عرب، بدأنا البحث عمن سيتولى إدارتها، وسافر لهذا الغرض أحمد السقاف في أواخر 1957 في جولة شملت العراق وسورية ولبنان ومصر، وقدم تقريراً بالمرشحين، وكان أبرزهم د. أحمد زكي، المدير السابق لجامعة القاهرة. وافق رئيس الدائرة الشيخ صباح الأحمد مباشرة. أطلعنا البدر على رسالته إلى د. زكي بتاريخ 1 فبراير 1958 ، وموافقته بتاريخ 12 فبراير 1958 . وقد تم منحه صلاحيات واسعة في اختيار مساعديه، فاختار سليم زبال ومحمد حسني زكي مخرجين، وهو الذي صمم شعار الدولة الحالي، وأوسكار وعبدالناصر شقرة مصورين، وعبدالوارث كبير سكرتير تحرير، وأحمد الوردجي وعبدالحفيظ يونس، كما انضم لاحقاً د. محمود السمرة مساعداً للدكتور زكي.أما اسم المجلة فقد تم اختياره عن طريق مسابقة شارك فيها الجمهور، ولا أعلم أن هناك مجلة تم اختيار اسمها بهذه الطريقة غير العربي، مضيفاً إلى رصيدها الجماهيري.يسترسل البدر: استكملنا الاستعدادات فصدر العدد الأول في 1 ديسمبر 1958 ، تمت طباعة 30 ألف نسخة بمطبعة الحكومة، نفدت جميعها من الأيام الأولى، وللعلم مازالت العربي تطبع بمطبعة الحكومة.بعد 60 عاماً وبعد أن تكون للعربي اسم، وتحولت إلى معلم من معالم الكويت، وصارت لديها ثروة أرشيفية ضخمة من الصور والتاريخ، وبميزانية لا تتجاوز تأجير دورين لوزارة الإعلام، صارت مسألة المحافظة عليها مسؤولية وطنية بعيداً عن التجاذبات والمتغيرات، فإلى أين من هنا؟عبر السنوات تعرضت العربي لمشاريع تهميش، وإحالة على المعاش، من مسؤولين متعاقبين، لا يدركون قيمتها، تعاملوا معها كعبء لا كرصيد، كذلك المسؤول الذي خفض النسخ المطبوعة دون دراسة، ومازال ذلك التخفيض قائماً. كما تعرضت العربي لمحاولات إضعاف، شكلها جيد وباطنها سيئ، أو تحويل لجهات أخرى تعوقها عن العمل. خلاصة القول هي أن مجلة العربي منارة حققت للكويت الكثير، وهي شيء مما تبقى من مشروع الدولة الانفتاحية القادرة على التواصل، وهي لا تحتاج دعماً لتقف على رجليها، فهي واقفة باسقة فارعة، وكل ما تحتاجه هو الإبقاء على سياستها التحريرية كما هي، ودعم بسيط لا يتجاوز ميزانية نشاط صغير بل صغير جداً يتبخر عادة تحت أشعة شمسنا الحارقة.
أخر كلام
«العربي» ليست مجرد مجلة
05-12-2018