اتجهت الأنظار في لبنان، أمس، جنوباً، حيث استجد تصعيد إسرائيلي، في أزمة جديدة تضاف الى حزمة أزمات تواجهها بيروت، أولها عقدة تشكيل الحكومة، التي اصبح عمرها 7 أشهر، بالإضافة الى «حادثة الجاهلية» التي شرعت البلاد أمام خطر الانزلاق الى خضات أمنية لا يعرف مداها.

ورغم حالة الصمت التي سادت في بيروت، ومحاولة الجيش اللبناني والسلطات المحلية في البلدات المحاذية للحدود، التقليل من أهمية التحرك الإسرائيلي وانعكاساته المتوقعة، فإن التوتر كان سيد الموقف، لاسيما أن مبادرة تل أبيب جاءت غداة لقاء عاجل بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في بروكسل ناقشا خلاله تطورات إقليمية، وحذرا من أنشطة إيران في لبنان وسورية والعراق، وذلك وسط تقارير اسرائيلية أفادت بأن تل ابيب تنوي نقل حربها مع ايران من سورية الى لبنان.

Ad

درع الشمال

وفجر أمس، أعلن الجيش الإسرائيلي، أمس، إطلاق عملية عسكرية على الحدود مع لبنان، تحت اسم «درع الشمال»، هدفها تدمير أنفاق تم رصدها لـ»حزب الله» تسمح بالتسلل إليه من لبنان إلى أراضي إسرائيل.

وبينما كشف مصدر أن العملية، التي قد تستمر أسابيع، أُقرت من قبل الحكومة الإسرائيلية الامنية المصغرة الاربعاء الماضي، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي اللفتنانت كولونيل جوناثان كونريكوس، إن «أنفاق الهجوم تلك لم تكن بدأت العمل بعد، وقد رصدت على الجانب الاسرائيلي»، مؤكداً أن «جميع العمليات ستجري على الاراضي الإسرائيلية».

وأشار كونريكوس إلى أن «الأنفاق هي جزء من مخطط لحزب الله بدأ في 2012 لنقل ساحة المعركة إلى إسرائيل عبر التسلل والسيطرة على نقاط في الجليل في نزاع مستقبلي»، مشدداً على عدم وجود «تهديد مباشر على المواطنين الإسرائيليين».

وأكد أن الجيش عزز وجوده في الشمال، لكنه لم يقم باستدعاء جنود الاحتياط. وحمل الجيش «الحكومة اللبنانية مسؤولية جميع النشاطات التي ترتكب في لبنان تجاه إسرائيل».

وحذر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي عناصر «حزب الله والجيش اللبناني من الوجود في المنطقة»، محمّلاً «الحكومة اللبنانية مسؤولية كل ما يجري داخل الأراضي اللبنانية من الخط الأزرق».

وأضاف أدرعي أن حزب الله بحفره الأنفاق «يمس بدولة لبنان ويخاطر بالمواطنين اللبنانيين».

منطقة عسكرية

وأُعلنت المنطقة المحيطة ببلدة المطلة الإسرائيلية، منطقة عسكرية مغلقة، ونشر الجيش صورا تظهر آليات ثقيلة تقوم بحفر الأرض. وفي وقت لاحق أفاد الجيش الإسرائيلي بأنه كشف نفقا قبالة قرية كفركلا اللبنانية الحدودية.

الجيش اللبناني

في موازاة ذلك، أكدت قيادة الجيش اللبناني أن «الوضع في الجانب اللبناني هادئ ومستقر، وهو قيد متابعة دقيقة». وأضافت في بيان أمس: «تقوم وحدات الجيش المنتشرة في المنطقة بتنفيذ مهماتها المعتادة على طول الحدود بالتعاون والتنسيق مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، لمنع أي تصعيد أو زعزعة للاستقرار في منطقة الجنوب»، مشيرة إلى أن «الجيش على جهوزية تامّة لمواجهة أي طارئ».

كما أكدت المتحدثة باسم قوات الطوارئ الدولية «اليونيفيل» ماليني يانسون، أمس، أن «اليونيفيل اطلعت على التقارير الإعلامية، وهي تتواصل مع جميع المحاورين المعنيين لضمان أن يستخدم الأطراف آليات الارتباط والتنسيق التابعة لليونيفيل للحفاظ على الهدوء والاستقرار المستمرين. والوضع في منطقة عمليات اليونيفيل يحافظ على هدوئه»، بينما قالت القناة «العاشرة» الاسرائيلية، أمس، إن «الخارجية الإسرائيلية عممت على جميع السفراء الإسرائيليين بالتوضيح أن نشاط الجيش الإسرائيلي دفاعي وأن إسرائيل غير معنية بالتصعيد».

عملية تحذيرية واستباقية

وأفادت مصادر أخرى بأن العملية الإسرائيلية هي عملية تحذيرية واستباقية لعودة حزب الله بالكامل من سورية. وكانت صحيفة «الأخبار»، المقربة من «حزب الله»، أشارت إلى أن نتنياهو قال لبومبيو خلال لقائهما في بروكسل: «أوقِفوا أنشطة حزب الله، وإلا فإن إسرائيل ستبادر بنفسها إلى إيقافها».

وقبيل هذا اللقاء العاجل قال نتنياهو إنه يعتزم مناقشة «الخطوات التي نتخذها معاً لصد عدوان إيران ووكلائها في الشمال»، في إشارة إلى سورية ولبنان. وتحدث نتنياهو في الأيام الماضية عن وضع أمني حساس.

وكان رئيس الحكومة الاسرائيلي توعد مراراً بـ «منع تمركز إيران عسكرياً في سورية»، ومنعها من نقل أسلحة متطورة إلى حليفها حزب الله في لبنان. ويزداد التركيز في إسرائيل مؤخرا على قلق المسؤولين الإسرائيليين إزاء الأنشطة الإيرانية في لبنان.

وأفادت تقارير اسرائيلية في الايام الماضية أن إسرائيل قررت نقل المواجهة مع إيران وحزب الله من سورية الى لبنان.

وخلال كلمته أمام الأمم المتحدة في سبتمبر، تحدث نتنياهو عن ثلاثة مصانع اسلحة إيرانية في لبنان، بينها موقع قرب مطار بيروت الدولي، قال إن حزب الله يحول فيها «مقذوفات غير دقيقة» إلى صواريخ موجهة بدقة، وتعهد بأن «إسرائيل لن تسمح بذلك».

ورغم أن إسرائيل قلصت بشكل كبير غاراتها في سورية، بعد اتهام موسكو لها بالتسبب في إسقاط طائرة روسية حربية فوق اللاذقية، الا أنها شنت قبل أيام هجوماً صاروخياً كبيراً استهدف مواقع يعتقد أنها إيرانية في منطقة الكسوة قرب دمشق.

ويواجه نتنياهو ضغوطا سياسية داخلية بعد استقالة وزير دفاعه أفيغدور ليبرمان بسبب غزة، لكن استطلاعات الرأي تظهر أنه سيتقدم بفارق كبير عن اي منافس له في اي اقتراع.

وقدم البيت الأبيض، أمس، دعمه الكامل للعملية الإسرائيلية. وقال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جون بولتون، إن «الولايات المتحدة تدعم بقوة جهود اسرائيل للدفاع عن سيادتها»، مضيفا «ندعو إيران وكل عملائها إلى وقف تعدياتهم واستفزازهم الإقليمي الذي يشكل تهديدا غير مقبول للأمن الإسرائيلي والإقليمي».

وكان نتنياهو قد أكد لبومبيو، وفق بيان صادر عن مكتبه، ضرورة وقف «الأنشطة العدائية» التي تقوم بها إيران في لبنان، مشددا على أن أنشطة حزب الله تشكل «انتهاكا صارخا للسيادة الإسرائيلية وللقرار 1701» الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 2006، والذي وضع حدا لحرب بين إسرائيل وحزب الله استمرت 33 يوما.