الغباء العاطفي
في بدايات القرن الماضي ظهر مصطلح جديد لتصنيف نوع من الذكاء يُسمى "الذكاء العاطفي" أو "الذكاء الوجداني"، وهو غير الذكاء العقلي المتعارف عليه المبني على التحليل المنطقي والفكري للوصول إلى المعرفة. وقد حظي هذا النوع من الذكاء باهتمام واسع لدى كثير من علماء النفس والباحثين والمهتمين بتفسير المشاعر والعواطف الإنسانية، والتي كشف الذكاء العقلي عن جهله بها، وعجزه عن تفسيرها، أو معرفته بطريقة عملها، وبدت تلك العواطف جنونية في نظر العقل، ولا تخضع لمنطق مستقيم يمكن القياس عليه أو الاستدلال به، ووقفت العواطف حصنا منيعا في وجه العقل ضد كل الحيل التي استخدمها لحل لغزها وفك شيفرتها. كانت الأحاسيس نجمة خرساء بالنسبة للعقل، والعواطف متاهة الخُطى، أما المشاعر، فليست سوى قاموس بصفحات سوداء خالٍ من معاني الكلمات، حتى ظهر مصطلح الذكاء العاطفي، والذي منذ ظهوره بدأ العلماء اكتشاف نور في نهاية نفق النفس البشرية يمكننا من خلاله اكتساب القدرة على فرز عواطفنا الذاتية، لنُحسن استعمالها وإدارة عاطفتنا بشكـل سلـيم في علاقتنا مع أنفسنا ومع الآخرين. وأدى هذا الكشف إلى نسف نصائح سنوات طويلة تحضنا على الركون إلى عقولنا وتغييب العاطفة، إذا أردنا النجاح في حياتنا. فقد خلص العلماء في نتائج دراساتهم وبحوثهم إلى أن العقل وحده يصعب عليه أن يقودنا للنجاح، وأن معظم ما حققه الإنسان من نجاحات وإنجازات كان الذكاء العاطفي شريكا رئيسا فيه. وبذلك سقطت منذ ذلك الحين الدعوات المستميتة لفرض سُلطة ذكائنا العقلي على عواطفنا وتبين زيفها. كما سقطت في ذات الوقت مفاهيم عن العواطف بُنيت على باطل أقوال وأمثال شوَّهت فهمنا للمشاعر، كقولنا: "الحب أعمى" و"لا كرامة في الحب" أو "الحب باب الجنة ومصير المحب النار"، أو كالقول إن "الغيرة تعرف أكثر مما تعرفه الحقيقة"، واتضح أن كل المآسي الناتجة عن عواطفنا ليس لها سوى سبب وحيد، هو افتقارنا للذكاء العاطفي أو شحّه لدينا، وهذا السبب أنتج كثيرا من تلك الأقوال المغلوطة، والتي منشؤها أناس لم يحسنوا إدارة عواطفهم، ولم يحسنوا استخدامها، وأدى ذلك إلى رسوخ مفاهيم خاطئة في أذهان الكثيرين عن المشاعر والأحاسيس. إلا أن الجانب المشرق في موضوع الذكاء العاطفي، أننا بالإمكان تنميته بسهولة بعدة وسائل، لعل أهمها إدراكنا الذاتي لمشاعرنا، ومدى تأثيرها علينا وعلى الآخرين، فأول خطوة باتجاه إدارة ناجحة لعواطفنا هي التخلص، ما استطعنا، من تلك المشاعر السلبية التي تنمو كالنبات السام في حديقة أرواحنا، كالكُره، الغيرة، الحسد، النظارة السوداء التي لا تفارق أعين قلوبنا، الشكوى الدائمة من أي شيء ومن كل شيء، وغيرها من المشاعر التي تُذهب بهاء أروحنا وتسرق نورها، والعمل عوضا عن ذلك على تعزيز صفاء أرواحنا من الداخل، بتغذيتها بالمشاعر الإيجابية بعد كل فشل عاطفي، لنراكم خبراتنا التي تنمي ذكاءنا العاطفي والاستفادة من تجاربنا، حتى لا نتهم بالغباء العاطفي.