مسرحية «لغم أرضي»... العلاقة بين زوجين وهواجس البقاء والموت
مسرحية «لغم أرضي» التي عرضت أخيراً على خشبة «مسرح المدينة» في بيروت، ليست مجرد مشاهد عادية بين رجل وامرأة، بل هي اختصار علاقة عمر بين رجل وزوجته بكل ما فيها من أبعاد عاطفية واجتماعية وفكرية وتناقضات ومشاكل، تؤدي فيها الذكريات دوراً مهماً وتغوص في عمق المشاعر والعواطف التي تشكل بحد ذاتها «لغماً» بين الناس أشد فتكاً من اللغم الأرضي...
تدور أحداث مسرحية «لغم أرضي» في زمان ومكان غير محددين. رجل وامرأة عالقان في ما يبدو أنه لغم أرضي. فكرة الذهاب حاضرة دائماً لكن هاجس انفجار اللغم بمجرّد أن يزول الوزن عنه يحول دون أن يكون الأمر مجرد نزهة. لم يؤكد أحد قصة اللغم هذه كما لم يكذبها أحد. «لغم أرضي» مسرحية مؤلفة من فصل واحد وخمسة أقسام، يؤدي بطولتها ندى أبو فرحات وعمار شلق، وهي من تأليف إيلي كمال وإخراجه، قدمت على خشبة «مسرح المدينة» في بيروت في عروض متتالية، فحوّلت معها المسرح إلى مساحة غير محددة المعالم، غابت عنها أي عناصر مكملة للممثلين، أي الديكور، فيما ملأها حضور ندى أبو فرحات وعمار شلق بأدائهما المميز والمتقن، ولا عجب في ذلك، فكلاهما له باع طويل مع المسرح وحقق نجاحاً على خشبته.
واقعية ومباشرة
صحيح أن المسرحية التي تدور أحداثها على مدى ساعة ونصف الساعة تقريباً، تتمحور حول بطلين اثنين فحسب، إلا أن اللغم الأرضي العالقين وسطه يشكل البطل الثالث لما يرمز إلى معانٍ تتخطى المادة والموت الجسدي، إلى العلاقة بين الزوجين التي تسيطر عليها ألغام يومية ينتج عنها أحياناً موت نفسي أين منه الموت الجسدي. الحب، الخيانة، العطاء، الأولاد، المستقبل، والاتهامات المتبادلة، وغيرها من الأمور التي تتحكّم بالعلاقة بين رجل وامرأة أو بالأحرى بين زوج وزوجته... حضرت في الحوار بين البطلين الذي سادته الواقعية البعيدة عن لعبة الأقنعة، وكأن هذا اللغم الأرضي فرض عليهما عيش لحظة حقيقة، بغض النظر عن أي مؤثرات خارجية التي غابت كلياً، وإذا بالمشاهد يجد نفسه إزاء مرآة تعكس الواقع بكل ما فيه من سلبيات وإيجابيات، ويدخل عن قصد أو عن غير قصد في هذه اللعبة من خلال عبارة أو موقف قد يكون صادفهما في علاقته مع الآخر، أياً كان هذا الآخر. اللافت في الحوار الذي اتسم بطابع المباشر، تذكير الرجل بدوره والمرأة بدورها، أي ضرورة ألا يأخذ الرجل دور المرأة في الحياة وألا تأخذ المرأة دور الرجل في الحياة، فلكل منهما رسالته التي نسيها أو تناساها في خضم الهموم اليومية وبات يؤدي دور الآخر لا لشيء إلا لأنه يرغب أحياناً في أن يكون الضحية لا الجلاد. كل ذلك يدور على مقعد خشبي وسط المسرح يشكل وسيلة التواصل الوحيدة بين البطلين، فيمارس كل منهما كل أنواع الضغوط على الآخر، ويوجه له انتقادات ويحمّله مسؤولية عدم عيش علاقة جميلة. وفي النهاية، عندما يرحل أحدهما ويأخذه الموت، تعود الذكريات لتطل برأسها راسمةً ماضي حياة كانت الألغام عنوانها الوحيد...رسالة إنسانية
أجادت ندى أبو فرحات في أداء دورها وكان حضورها على المسرح لافتاً لا سيما أنها أوصلت بإحساسها بالدور الرسائل التي أراد المؤلف إيصالها إلى المشاهد، كذلك انغماس عمار شلق بالدور أعطاه أبعاده العاطفية والنفسية والعلائقية... شاركت أبو فرحات في مسرحيات عدة على مدى مسيرتها الفنية من بينها: «الخادمتان، قدّام باب السفارة الليل كان طويل، حكي نسوان، أسرار الست بديعة، مغامرات فيكتوريا العجيبة»، بدوره شارك شلق في مسرحيات عدة من بينها: «تشي، الشر الأوسط، حبيبي مش قاسمين، وكعب عالي».
أداء ندى أبو فرحات وعمار شلق في «لغم أرضي» مميز ومتقن