لعنة النفط!
النفط، الذي يشهد أسوأ لحظاته، سواءً في بعد التأثير السياسي أو في تراجع أسعاره الذي يهدد اقتصادات دول الخليج المعتمدة عليه بشكل كامل، تحول إلى لعنة، وصارت تبعاته السلبية تنعكس على الداخل الخليجي نفسه، في وقت يبتز فيه الرئيس الأميركي أموالنا تحت شعار شراء المزيد من السلاح وفرض أقل الأسعار على قيمة النفط.
حبانا الله في منطقة الخليج بإحدى أكبر النعم وأهمها في التاريخ الحديث، وهي الثروة النفطية، التي كانت منذ اكتشافها إلى اليوم وحتى مدى زمني طويل قادم عصب اقتصادات العالم والمحرك الرئيس لماكينة الصناعة وقفزاتها المتوالية التي غيرّت وجه الحياة.أما على مستوى المنطقة، فقد كانت الاحتياطيات الخيالية من النفط الخام التي تشكل 60% من إجمالي المخزون العالمي، كفيلة بقلب الحياة في الخليج رأساً على عقب عبر الغنى غير المسبوق، والصعود بدول المنطقة إلى العالمية لتكون محط الأنظار، ومكّنت حكوماتها من التأثير الكبير في صنع القرارات الدولية، واستخدام النفط كسلاح في خدمة القضايا العربية وفي طبيعتها القضية الفلسطينية، وكانت منطقة أوبك التي تقودها دول الخليج صاحبة الكلمة العليا في تحديد الإنتاج العالمي من النفط والتحكم في أسعاره إلى حد كبير.وبعيداً عن مسيرة النفط في عالم الصراع العالمي، وتكالب القوى الكبرى بقيادة الولايات المتحدة لتهميش دور منظمة الأوبك، تحديداً بعد مقاطعة عام 1973، جاءت الأزمة الخليجية لتهدد المنظومة الخليجية من الداخل، وبات من الواضح أن استمرار هذه الأزمة سيقود إلى انهيار الهالة السياسية والاقتصادية والأمنية التي بنتها دول المنطقة على مدى عقود من الزمن.
أزمة الخليج كلفت دول المنطقة وشعوبها ثمناً باهظاً ليس على صعيد الخسائر الاقتصادية المقدرة بعشرات المليارات من الدولارات، وليس على مستوى الارتباك الأمني والعشوائية السياسية فقط، بل على المساس بالنسيج المجتمعي والوجداني لشعوب هذه الدول والجراح الإنسانية التي لا يمكن أن تبرأ لفترات طويلة من الزمن.النفط، الذي يشهد أسوأ لحظاته، سواءً في بعد التأثير السياسي أو في تراجع أسعاره الذي يهدد اقتصادات دول الخليج المعتمدة عليه بشكل كامل، تحول إلى لعنة، وصارت تبعاته السلبية تنعكس على الداخل الخليجي نفسه، في وقت يبتز فيه الرئيس الأميركي أموالنا تحت شعار شراء المزيد من السلاح وفرض أقل الأسعار على قيمة النفط، دون أي احترام لمفاهيم ومتطلبات الشراكة الاستراتيجية أو احترام المشاريع الاقتصادية والتنموية العملاقة التي أعلنتها العديد من دول الخليج كخطة مستقبلية موازية للنفط والاعتماد الوحيد على إيراداته.في هذا التوقيت يأتي قرار دولة قطر بالانسحاب من منظمة أوبك، وفق تقديرات فنية من أجل التركيز على صناعة الغاز، التي يتوقع أن تنافس النفط الخام خلال العقود القادمة، إلا أن مضمون هذا القرار لا يخلو من رسالة سياسية نابعة من صلب الأزمة الخليجية، ولا شك أن تبعاته ستكون قاسية على أوبك التي تعيش مرحلة لا تحسد عليها أصلاً.هذا الحالة الحرجة، سوف تتدحرج لمزيد من الضعف ونحو أضرار أكبر، وقد تحمل في طياتها لعنات أخرى للنفط، وهو مصدر الحياة والوجود لشعوب المنطقة، الأمر الذي يتطلب موقفاً سريعاً وأمانة تاريخية وقراراً يتسم بالحكمة والشجاعة لغلق هذا الملف الحزين قبل فوات الأوان!