قبلات سياسية!
لا ضير في أن يحترم قائد حركة "حماس" إسماعيل هنية، مُضيفه المرشد علي خامنئي، وأن يجله، والمثل يقول: "أطعم الفم تستحي العين"، أما أن يهجم عليه في مقره في طهران بحركة مسرحية فيها الكثير من التذلل، في حين يبتسم الآخر ابتسامة أبوية فيها الكثير من الاستدراج؛ فإن هذا قد بدا وكأنه نكاية بالعرب، الذين أجبرتهم إيران، بتدخلها السافر في الشؤون العربية، حتى من استقبل منهم الثورة في عام 1979 بفرح غامر ومبالغة في المراهنة عليها، أن يكونوا ضدها، وأن يواجهوها بالقوة العسكرية!قرأنا لبعضهم قبل أيام قليلة أن "حماس" حركة تحرر وطني، وأن من حقها أن تكون على مسافة واحدة من مراكز القوى، إن في هذه المنطقة أو في العالم بأسره، وكان هذا الكلام، الذي فيه الكثير من الاستهزاء بعقول المعنيين، بمثابة تبرير عودة هذه الحركة، كعودة الابن الضال إلى أحضان نظام الأسد، بعدما كانت وضعت نفسها في جبهة الثورة السورية، على اعتبار أنها ثورة "إخوانية"، وأنها هي بدورها الذراع المسلحة للإخوان المسلمين!
كانت حركة "حماس"، التي أوجدها التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، بعد اثنين وعشرين عاماً من انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، قد بقيت ترفض الانضمام إلى منظمة التحرير، رغم أن الرئيس الفلسطيني الراحل بقي "يطاردها" للالتحاق بالمسيرة الفلسطينية، وبقيت تتلاعب على التناقضات في هذه المنطقة، إلى أن جاءت اللحظة التي كانت بانتظارها، فبادرت إلى انقلابها العسكري الشنيع حقاً والدموي فعلاً في عام 2007، وذلك بعدما ارتدّت على اتفاقية مكة المكرمة، التي كانت أبرمت برعاية الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، قبل أسابيع قليلة.وهكذا فإنّ هذه الحركة، التي هي "إخوانية" أكثر كثيراً مما هي حركة تحرر وطني فلسطينية، قد بادرت إلى إدارة ظهرها لمعظم العرب، إن لم يكن لجميعهم، وعادت لتعزز ارتماءها في الحضن الإيراني، وتعود "عودة الابن الضال" إلى نظام بشار الأسد... والسؤال هنا هو: هل يا ترى هذا هو موقف التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذين يقودهم "إخوان" مصر؟ وهل هو أيضاً موقف "الإخوان" السوريين، الذين تماشياً مع انتماءاتهم حولوا الثورة السورية إلى مجرد "أداة" سياسية في يد تركيا الإردوغانية؟!وعليه، فإن هذه القبلات الاستعراضية، التي لقم بها إسماعيل هنية يدي علي خامنئي، هي في حقيقة الأمر قبلات الإخوان المسلمين كلهم، مما يعني أننا قد نُفاجأ بانتقال الشيخ يوسف القرضاوي إلى "قم"، وعلى الرحب والسعة، أو قد نُفاجأ أيضاً بأن "الإخوانيين" في مصر هم الذين يديرون هذه الحملة المسعورة على شيخ الأزهر الشريف أحمد الطيب... ولحساب من؟ بالطبع لحساب الإيرانيين الذين ركبوا هذه الموجة الطائفية البغيضة، ليتغلغلوا كل هذا التغلغل الزاحف في المنطقة العربية!