يظهر استطلاعان للرأي أجريا على مستطلعين مختلفي الاتجاهات من الجنسية الفلسطينية في أكتوبر، مرونة شعبية غير متوقعة حول مسائل أساسية متعلقة باتفاق سلام نهائي مع إسرائيل، على الرغم من انتشار الشك حول فرص نجاح هذا الاتفاق في الوقت الراهن. وتشير هذه النتائج إلى أنه يتعين على صانعي السياسات الأميركيين والإسرائيليين والعرب أن يتنبهوا جميعهم بشكل أكبر إلى ما يريده الشعب الفلسطيني حقا، وأن يولوا أهمية أصغر إلى ما يقول القادة السياسيون أو مناصروهم أنه «يجب» أن يريدوه.

وتشير البيانات الملموسة إلى إمكان قبول خطة سلام تحرز تقدما في تحقيق التطلعات الفلسطينية، ولو كان ذلك على حساب تنازلات كبيرة، على المستوى الشعبي – رغم احتمال أن يرفضها كل من «السلطة الفلسطينية» وحركة «حماس». ويركز هذا التحليل على ثلاث من المسائل الأكثر إثارة للجدل متعلقة بالوضع النهائي وهي: اللاجئون وإنهاء النزاع والاعتراف بإسرائيل كـ«دولة يهودية». وتشير النتائج المرتبطة بكل من هذه المسائل إلى أن الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية أكثر انفتاحا بكثير على التسوية من حركة «حماس»، أو حتى من «السلطة الفلسطينية».

Ad

اللاجئون و«حق العودة»

تتمحور النتائج الأكثر اعتدالا والخالية من أي لبس بشكل مدهش، والمنبثقة عن هذين الاستطلاعين، حول هذه المسألة، ولا تأتي النتائج من مجرد سؤال أو سؤالين، إنما من مجموعة كاملة من الأسئلة ذات الصلة، وتبرز هذه النظرة المعتدلة بقوة خاصة في غزة، حيث ينحدر معظم السكان من اللاجئين الفلسطينيين.

يقول ثلثا سكان غزة إن على الفلسطينيين أن يقبلوا ألا ينطبق «حق العودة» على إسرائيل، بل على الضفة الغربية وغزة فحسب، إذا كان ذلك ثمن بناء الدولة الفلسطينية. ولدى سؤالهم عما يفضلونه شخصيا، قال 14 في المئة منهم فحسب إنهم «ربما» يريدون الانتقال إلى إسرائيل، حتى لو استطاعوا ذلك. إلى ذلك، قبلت الأغلبية الساحقة التي بلغت 79 في المئة «إعادة التوطين الدائمة» للفلسطينيين من البلدان الأخرى في الضفة الغربية أو غزة فحسب، «وإن لم تنحدر عائلاتهم من هذين المكانين». وتقول أغلبية لا بأس بها بلغت 59 في المئة، وإن كانت أصغر حجما، إنها فكرة جيدة بأن «تقدم الدول العربية مساعدات اقتصادية إضافية لإعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية أو غزة، لكن ليس داخل إسرائيل».

والمواقف حول هذه المسائل أيضا معتدلة نسبيا، رغم أنها أكثر اختلاطا، في الضفة الغربية، فسكان الضفة الغربية منقسمون بالتساوي تقريبا حول عدم دخول اللاجئين إلى إسرائيل: يقبل 48 في المئة منهم بذلك، لكن يعترض 52 في المئة عليه. غير أن 5 في المئة فحسب يقولون إنهم على الأرجح سينتقلون إلى إسرائيل. ويقبل الثلثان بإعادة التوطين الدائم للشتات الفلسطيني في الضفة الغربية أو غزة، ولو كانت عائلاتهم تنحدر من داخل إسرائيل.

وتجدر الإشارة إلى أن التوقعات حول إعادة توطين اللاجئين أكثر تواضعا حتى من التفضيلات السابقة، لا سيما في الضفة الغربية. ويظهر كلا الاستطلاعين أن أغلبية لا بأس بها من سكان الضفة الغربية تعتقد أنه «بصرف النظر عما هو صائب، الواقع هو أن معظم الفلسطينيين لن يعودوا إلى أراضي عام 1948»، ويوافق سكان غزة على ذلك، إنما بأغلبية أقل تبلغ 61 في المئة في أحد الاستطلاعين، و54 في المئة في الاستطلاع الآخر.

إسرائيل كدولة يهودية

في ما يخص هذه المسألة، يظهر الفلسطينيون مجددا انفتاحا أكبر بكثير من زعمائهم السياسيين. إذا «اعترفت إسرائيل بدولة فلسطينية مستقلة وأنهت احتلال الضفة الغربية وغزة»، تبلغ نسب الفلسطينيين الذين سيقبلون الاعتراف بإسرائيل كـ«دولة للشعب اليهودي» المعدلات التالية: 55 في المئة في غزة و36 في المئة في الضفة الغربية و60 في المئة في القدس الشرقية.

وعلى عكس ذلك تماما، شدد قادة «السلطة الفلسطينية» باستمرار، بدءا من الرئيس محمود عباس، على أنهم لن يوافقوا «أبدا» على صيغة مماثلة. وتقول حركة «حماس» باستمرار إنها لن تعترف أبدا بإسرائيل على الإطلاق، ولا بطابعها اليهودي، وعبر هذه التصريحات، تتخذ كلتا الحكومتين موقفا أشد صرامة بكثير من قسم كبير من شعبهما.

إنهاء النزاع

ينظر هذا السؤال الضروري في ما إذا كان حل الدولتين (أ) «سينهي النزاع ويفتح فصلا جديدا في التاريخ الفلسطيني» أو (ب) «لن ينهي النزاع، فتستمر المقاومة إلى أن يتم تحرير فلسطين التاريخية بالكامل»، ويختار سكان الضفة الغربية «إنهاء النزاع» بهامش كبير يبلغ 50 في المئة مقابل 37 في المئة، بينما أجاب الباقون بـ»لا رأي». وينقسم سكان غزة بالتساوي تقريبا بين 47 و49 في المئة. ويختار الفلسطينيون في القدس الشرقية بشكل قاطع «إنهاء النزاع»، وهم يعيشون في تواصل يومي مع الإسرائيليين، بهامش يبلغ 73 في المئة مقابل 22 في المئة.

ويرتبط هذا السؤال طويل الأمد بسؤال آخر عاجل أكثر، وهو: هل يتعين على حركة «حماس» أن «توقف الدعوة إلى تدمير إسرائيل، وأن تقبل بدلا من ذلك بحل الدولتين الدائم بناء على حدود عام 1967؟». كانت النتائج الأكثر وضوحا في غزة، حيث يظهر الاستطلاعان أن عدد الناس الذين يفضلون هذا التغيير الجذري والسلمي في السياسة يفوق عدد أولئك الذين يعترضون عليه. كما يتضح أن سكان الضفة الغربية يدعمون ذلك في أحد الاستطلاعين، بهامش يبلغ 58 في المئة مقابل 30 في المئة؛ ويظهر الاستطلاع الآخر، حيث هامش الخطأ أكبر بقليل، أن أغلبية صغيرة اعترضت على ذلك.

لكن في ما يتعلق بهذه المسألة، تميل آراء الفلسطينيين في القدس الشرقية إلى الاتجاه المعاكس: فيقول 36 في المئة إن «حماس» يجب أن تقبل السلام مع إسرائيل؛ لكن ترفض نسبة أكبر تبلغ 47 في المئة ذلك. وتمتنع نسبة كبيرة بشكل غير مألوف تبلغ 17 في المئة عن الإجابة عن هذا السؤال. وقد يعكس هذا المشهد المنقسم بشكل مفاجئ التواجد المتنامي لحركة «حماس» أو الجاذبية التي تتمتع بها هذه الحركة بين فلسطينيي القدس الشرقية، الذين يشعر كثير منهم أنهم مهملون من إسرائيل و»السلطة الفلسطينية» على السواء.

تستند هذه النتائج إلى استطلاعات رأي مبنية على مقابلات شخصية أجراها مستطلعان فلسطينيان مختلفان رفيعا المستوى في الفترة الممتدة بين 3 و19 أكتوبر 2018، باستخدام تقنيات العينات العشوائية الجغرافية العادية. واستند أحد الاستفتاءين على عينة تمثل 732 فلسطينيا من الضفة الغربية والقدس الشرقية، و468 من سكان غزة، فبلغ هامشا الخطأ ما يقارب 3.7 و4.1 في المئة. وتألف الاستفتاء الآخر، الذي أجراه «المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي» القائم في بيت ساحور في الضفة الغربية، من عينات تمثيلية يتألف كل منها من 500 شخص في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، فبلغت هوامش الخطأ ما يقارب 4 في المئة في كل من هذه المناطق.