عودة الستالينية إلى روسيا... من يذكر أهوال الماضي؟

نشر في 08-12-2018
آخر تحديث 08-12-2018 | 00:02
جوزيف ستالين
جوزيف ستالين
منذ فتح المحفوظات السوفياتية، كشف الباحثون عن الدور الحيوي الذي لعبه ستالين في الرعب الكبير، والذي لم يسلم منه حتى رفاقه الذين كانوا ينفذون عمليات التعذيب والقتل، وقد تعرضوا للموت في سجن ليفورتوفو عندما أصبح «السيد» في حاجة الى كبش فداء.
قبل 80 سنة أنهى جوزيف ستالين «الرعب الكبير» في روسيا مستشهداً بما وصفه بـ «التجاوزات المحلية «التي علم بها، وأمر ستالين في قراره الذي صدر في 17 نوفمبر 1938 بتوقف المحاكم غير القانونية التي كان يطلق عليها اسم «ذي ترويكا» عن اصدار أحكام بحق السجناء السياسيين.

ومنذ فتح المحفوظات السوفياتية كشف الباحثون عن الدور الحيوي الذي لعبه ستالين في الرعب الكبير والذي لم يسلم منه حتى رفاقه الذين كانوا ينفذون عمليات التعذيب والقتل وقد تعرضوا للموت في سجن ليفورتوفو عندما أصبح «السيد» في حاجة الى كبش فداء.

وتؤكد الحقائق أن الكرملين لا يستطيع انكار عمليات «غولاغ»، وهي معسكرات الاعتقال السوفياتية، وهو الاسم الذي يرجع تاريخه الى عام 1918 أي بعد سنة واحدة من قيام الثورة البلشفية التي فجرها لينين، وذلك في وجه الوثائق الدامغة وذاكرة العامة. وتعتبر هذه مشكلة بالنسبة إلى الكرملين لأن إقدام ستالين على قتل الملايين من المواطنين لا يناسب حديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن حاجة ذلك البلد إلى قائد قوي وبطولي.

وفي حقيقة الأمر، فإن وسائل إعلام الكرملين تقول الآن إن روسيا في حاجة الى رجل قوي من أجل مواجهة الولايات المتحدة وعملائها في حلف شمال الأطلسي. ويمثل بوتين روسيا الماضي الحافل بالأمجاد مثل الحاق الهزيمة بنابليون بونابرت والانتصار على أدولف هتلر والتحديث السريع. وتتحدث وسائل الاعلام في الكرملين الى الشعب الروسي عن أن الحرب وشيكة ومثل قلعة محاصرة وسط عالم عدائي يقال للشعب الروسي إن البلاد في حاجة الى قائد يتمتع بقبضة حديدية مثل بوتين، وأن على المواطنين الروس أن يضعوا جانباً الأمور الصغيرة مثل الكساد الاقتصادي وقتل الشخصيات المعارضة.

تاريخ ستالين

وتهدد شخصية ستالين التاريخية هذه النظرة من جانب الكرملين، وكان ستالين حكم روسيا بقبضة حديدية لحوالي ربع قرن واتسم حكمه بالسطوة والعنف والمجاعة والحرمان والقتل الجماعي، والاتحاد الروسي هو الخليفة القانوني للاتحاد السوفياتي ويطالب بإرثه السوفياتي، وذلك يعني ارث ستالين أيضاً. ولا يريد بوتين أن يخاف رعاياه من قائد قوي قد يتحول، مثل ستالين، إلى شخصية سيئة. وبوتين الذي يقترب من تمضية فترة حكم مماثلة لستالين غير قادر على رؤية صورة ستالين تحوم حوله على شكل شخصية متسلطة وقاسية ويحاول أن يقنع الشعب الروسي بأن ستالين كان ضرورة تاريخية للبلاد.

وهذه هي طريقة سرد الكرملين للمجادلة في هذا الشأن: كان ستالين شخصية معقدة – وهذا أمر مؤكد، وأقدم على قتل وسجن الكثير من المواطنين الأبرياء، ولكنه في سياق هذه العملية قضى على الطابور الخامس المحتمل، وكان على ستالين استخدام الارهاب السياسي من أجل حماية أول دولة اشتراكية في العالم من العملاء الأجانب وأعداء الداخل ومؤيدي النظام القديم. ولم يكن لديه من خيار سوى تطبيق الارهاب من دون تمييز. نعم لقد فرض ستالين عمليات تصنيع أفضت الى صعوبات ومشقة – مجاعة ومخصصات عمل وتشدد في نظام العمل – ولكن اجراءاته القاسية أسهمت في تقوية الشعب الروسي لمواجهة حرب كانت سوف تحدث بصورة مؤكدة. ولم يكن الاتحاد السوفياتي ليهزم هتلر من دون معسكرات غولاغ التي أدت الى انتاج الدبابات والطائرات التي لعبت دوراً محورياً في كسب الحرب، ثم إن فرق الموت من السجناء السياسيين الذين أرسلوا الى حقول الألغام الألمانية أنقذت حياة الجنود الموالين الروس، وصحيح أن ستالين قام بعمليات سيئة، ولكن ذلك كان لمصلحة بلده، كما تقول الرواية والمجادلة.

تشجيع المحاكمات الصورية

وبحسب هذه المجادلة يتعين أن يتم تقييم ستالين في سياق معادلة التكلفة التي تزن بين تصرفاته السيئة والجيدة، وعلى سبيل المثال فإن كتب تاريخ الدولة الروسية تشجع المحاكمات الصورية التي تتحدث عن ستالين مثل شخصية تمثل «والد روسيا» أو «عدو روسيا» كما يتم تشجيع الطلاب الروس على ابقاء أذهانهم منفتحة وتروي طائفة من الروايات أن البعض من البالغين يحصلون على اشارات اخرى تكون مذهلة في تفاصيلها.

ويندر أن قام الرئيس بوتين ودائرته الداخلية بتوجيه كلمات ثناء وإشادة بستالين. وكان بوتين وصف ستالين بـ«المدير البارع»، ولكنه قام أيضاً بزيارة رمزية الى ضحايا بيوتوفو في ضواحي موسكو. ويسمح للحزب الشيوعي في الاتحاد الروسي بنصب تماثيل لستالين والتوجه في مسيرات جماعية الى ضريحه في ذكرى عيد ميلاده. وتبرز الإشارات المدهشة بقدر أكبر على استعادة ستالين لأهميته في العودة الى النشيد الوطني لعام 1944 ورفع صور تحاكي ستالين في الساحة الحمراء في موسكو وحتى في عودة شبه جزيرة القرم الى الحظيرة الروسية.

وهكذا يمكن للمرء أن يسأل: هل أثمرت حملة الكرملين حول «كان ستالين قاسياً ولكنه كان عادلاً»؟

ويظهر استطلاع للرأي في روسيا أن ستالين تم تصنيفه على أنه الشخصية الأكثر أهمية في كل الأوقات والأماكن متقدماً بصورة طفيفة على الرئيس بوتين وبوشكين، وأشاد حوالي ثلثي من الذين شملهم الاستطلاع بقيادته في الحرب العالمية الثانية «على الرغم من أخطائه وتصرفاته السيئة»، كما أن أقل من خمسين في المئة يعتقدون أن ستالين ارتكب جرائم سياسية. ويعتقد واحد من خمسة أن عمليات القمع التي قام ستالين بها كانت مبررة بضرورة سياسية.

ولا ترجع نظرة الشعب الروسي في هذا الصدد الى جهله بتجاوزات ستالين – ويقول 13 في المئة فقط انهم لا يعلمون عن جرائم ستالين اضافة الى أن الشباب في روسيا يشكلون استثناء في ذلك ونصفهم لا يعلمون عن أعمال القمع التي قام بها.

وقبل حوالي عقد من الزمن وافق 70 في المئة على أن ستالين كان «طاغية قاسياً مذنباً بقتل الملايين من الأشخاص الأبرياء»، وهي حصيلة كانت موضع خلاف بنسبة واحد من بين كل خمسة أشخاص فقط، وفي سنة 2018 وافق 44 في المئة على وصف ستالين بالطاغية القاسي، وخالف البقية هذا الوصف، أو قالوا إنهم لا رأي لهم.

واللافت أن الشعب الروسي ينقسم حول ما اذا كان ذلك الشعب في حاجة الى قائد مثل ستالين يحقق الأمن والنظام، وتظهر استطلاعات من 2008 الى 2018 تأييداً بنسبة الثلث لمثل ذلك الزعيم فيما تراجعت نسبة المعارضين من النصف الى أكثر قليلاً من الثلث مع امتناع 30 في المئة عن الرد.

ويميل الوقت الى صالح عودة الستالينية، وتشير أدبيات غولاغ بوضوح الى جرائم ستالين ضد الانسانية ولكن يبدو أن الروس غير مهتمين بذلك. ويريد نصف الشعب المضي قدماً وترك الجروح القديمة تندمل وعدم التركيز على الماضي، ويتناقص عدد أحياء غولاغ بسرعة، وتعتبر النساء هن آخر الشهود الذين يمكن أن يتحدثوا عن الماضي قبل فوات الأوان.

ستالين حكم روسيا بقبضة حديدية حوالي ربع قرن واتسم حكمه بالسطوة والعنف والمجاعة والحرمان والقتل الجماعي
back to top