تستعد السُلطات الفرنسية لمواجهة أعمال شغب اليوم في باريس مع دعوة "السترات الصفراء" إلى تظاهرات للأسبوع الثالث على التوالي غير آبهة بالمناشدة الحكومية للتهدئة.وامتد التململ في الأيام الماضية إلى صفوف طلبة الثانويات والجامعات والمزارعين، الذين اغتنموا تحرك أصحاب السيارات الخاصة الذين ينتقلون بين المدن والريف احتجاجاً على سياسة الحكومة الضريبية والاجتماعية، لتقديم مطالبهم المختلفة عنها.
وفضلاً عن المدارس الثانوية، أعلنت النقابة الزراعية الرئيسية تنظيم تحرك طيلة الأسبوع المقبل. ودعت نقابتان للنقل البري إلى الإضراب اعتباراً من مساء غد لفترة غير محددة.وقال رئيس الحكومة الفرنسية إدوار فيليب ليل الخميس- الجمعة في حديث لقناة "تي إف 1"، إنه سيتم السبت تعبئة 89 ألف شرطي (مقابل 65 ألفاً في أول الشهر الجاري)، منهم 8 آلاف في باريس وحدها (مقابل 5 آلاف).وشهدت حوالي 200 ثانوية ومعهد وبعض الجامعات إغلاقات أو اضطرابات مجدداً أمس الأول ولليوم الرابع. وتحول العديد من التظاهرات الطالبية إلى أعمال شغب فأحرقت صناديق قمامة وأصيبت سيارات بأضرار واشتبك متظاهرون مع الشرطة في مختلف المدن في جميع أنحاء فرنسا في مشاهد تذكر بأعمال الشغب التي شهدتها باريس السبت الماضي وشاهدها العالم.وتحسباً، تم الطلب من أصحاب متاجر جادة الشانزليزيه، محور الشغب، إبقاءها مغلقة اليوم، كما تقرر غلق عشرات المتاحف وبرج إيفل.وفي بورودو (غرب) التي شهدت كذلك مواجهات عنيفة، أعلنت البلدية إغلاق نحو عشرة مراكز عامة وثقافية.وتقرر تعزيز الشرطة في كل أنحاء فرنسا بأعداد تضاف إلى 65 ألف دركي نشروا السبت الماضي في المواقع الحساسة، وفق وزير الداخلية كريستوف كاستانير.وبعد أن وعدت بتجميد سعر الوقود والكهرباء خلال الشتاء وبمشاورات واسعة حول مطالب المتظاهرين، بادرت الحكومة إلى التخلي عن زيادة ضريبة الوقود "لعام 2019" الذي كان الشرط الرئيسي للمتظاهرين. لكن لا يبدو أن هذه المبادرة، التي تمثل ربحاً فائتاً قدره 4 مليارات يورو، وفقاً للحكومة، أقنعت المتظاهرين.وواصل رئيس الوزراء نقاشاً في مجلس الشيوخ بدأه الأربعاء في الجمعية الوطنية دفاعاً عن التدابير المتخذة بشكل عاجل. لكن أمام عدم التجاوب لم يكن أمامه سوى الإقرار بأن "الغضب لا يزال غير مفهوم وخارج السيطرة".وفي بادرة جديدة، بدا فيليب منفتحاً على إقرار تدابير لتحسين الأجور المتدنية وهي من بين مطالب المحتجين على ألا تؤثر على تنافسية الشركات.وفي بادرة نادرة تعبيراً عن وحدة الصف، استجابت سبع نقابات للدعوة ونددت، أمس الأول، "بكل أشكال العنف لدى التعبير عن المطالب".ودعا زعيم حزب "الجمهوريون" اليميني المعارض لوران فوكييه المحتجين إلى تجنب "كل أشكال التعبير العنيف السبت المقبل (اليوم)". فيما تمنت كتلة النواب الاشتراكيين أن تجري التظاهرة دون مواجهات.
إطاحة السلطة
وفي تعليقه على الاحتجاج المزمع قرب قصر الإليزيه اليوم، قال المتحدث باسم الحكومة بنجامين غريفو، لصحيفة "لوباريزيان"، "عناصر مسيسة وراديكالية تحاول استغلال الحراك. هم يريدون الإطاحة بالسلطة"، محذراً من أن الرد عليهم سيكون "مناسباً وحاسماً".وأعرب المتحدث عن قلقه إزاء احتمال "انتشار الأسلحة النارية" بين المتظاهرين، وقال: "قتل أربعة أشخاص وأصيب مئات آخرون خلال الفعاليات الاحتجاجية. وتابع: "السترات الصفراء" الحقيقيون يجب ألا يكونوا دروعاً بشرية. يوجد في صفوف المتظاهرين من يمنع الشرطة من شن حملات التوقيف".خطاب ماكرون
ولتجنّب "صب الزيت على النار"، قرر ماكرون تأجيل خطابه إلى "مطلع الأسبوع المقبل"، بحسب رئيس الجمعية الوطنية ريشار فيران، موضحاً أنه "الرئيس الذي يعي السياق والوضع" قرر أن ينتظر قبل أن يتحدث، كما يطالب جزء من المعارضة ومن المتظاهرين.وبعد ثلاثة أسابيع من التعبئة الكبيرة الأولى احتجاجاً على زيادة الرسوم على المحروقات، تستعد الحكومة للأسوأ وتخشى موجة من أعمال العنف في "الفصل الرابع" من تحركات محتجي "السترات الصفراء".حجب الثقة
في المقابل، تعتزم العديد من الجماعات السياسية اليسارية طرح تصويت بحجب الثقة ضد الحكومة الفرنسية، التي هزتها بالفعل حركة "السترات الصفراء" وأجبرتها على التراجع عن فرض زيادة الضرائب على البنزين والديزل.وبحسب وكالة أنباء بلومبرغ، فإن حزب "فرنسا الأبية" الذي ينتمي إلى أقصى اليسار، جنباً إلى جنب مع الاشتراكيين والشيوعيين، الذين يحتلون معاً 62 مقعداً من أصل مقاعد الجمعية الوطنية البالغ مجموعها 577 مقعداً قالوا، أمس الأول، إنهم بصدد طرح التصويت في أقرب وقت ممكن بحلول يوم الاثنين المقبل.وقال أوجو بيرناليسيس نائب رئيس حزب فرنسا الأبية :" لدينا حكومة تسير مباشرة في طريق مسدود". وأضاف أثناء خروجه من اجتماع مع أحزاب اليسار الأخرى :"إنها مسؤوليتنا أن نضع حدا لهذا، والتأكد من أننا سنغير الحكومة وبالتالي سياساتها".تركيع الطلاب
وأثار مقطع فيديو تم تداوله بشكل واسع النطاق عبر وسائل التواصل الاجتماعي لعشرات الشبان يتم اعتقالهم خارج مدرسة وهم راكعون في صفوف وأيديهم خلف رؤوسهم وحولهم قوات الأمن، غضب ساسة يساريين.ووصف مرشح الرئاسة السابق عن الحزب الاشتراكي، بينوا آمون، مقطع الفيديو عبر "تويتر" بأنه "تقشعر له الأبدان، وغير مقبول". وقال: "ما الذي يمكن أن تحصده السلطات إلا الغضب؟"وكتبت ماتيلدا بانو، من حزب "فرنسا التي لا تقهر" اليساري الراديكالي عبر تويتر: "إن جعل طلاب مدرسة ثانوية يركعون وأيديهم على رؤوسهم، محاطين برجال الدرك (الأمن)، يُعاملون كمنظمة إرهابية - هل تلك هي أساليبكم الجديدة؟"وقال مصدر بالشرطة، إن الفيديو حقيقي وأظهر اعتقال أكثر من 140 شاباً بعد أعمال تخريب في مدينة مانت لا جولي بالقرب من باريس.