لماذا يمجد البدو الذئب؟ ولماذا يعتبرون "سرحان"، كما يصفونه، رمزاً لـ "المرجلة"؟ فهل العلم يؤيد قصائدهم التي تحكي صفات الذئاب أم هي مجرد خزعبلات بدائية؟ فإن عبارة "أنت ذيّب أمعط" هي أقوى مدحة عند البدو، حيث تعني بالفصحى الذئب الأمعط الذي سقط شعره، وهو الخائض للمعارك، الداهية الشرس، فذلك السبع الحصيف الذي أثبت العلم أنه ينام وإحدى مقلتيه مفتوحة ليرعب الأعداء؛ هو ذاته المخلوق الذي يجسد مع جماعته "المرجلة" بحق. قطيع الذئاب يترأسه ذكر متسيد يكون هو صاحب الأسرة الممتدة، الذي يذعن لمشيَخته باقي أبناء القطيع الذين لا يصيدون ولا يرتحلون إلا بأمر سيد الشيوخ، أولئك الشيوخ الذين لا يتزاوجون مع إناث إلا من علية القوم، فالطبقية القبلية هي الحكم الوحيد في التزاوج الذي يعتبر سبيل هيكلة وظائف القطيع، وعندما ينتجون جراء عميانا وصُماً فإنها لا تأكل الصوالب، بل تعتاش على حليب الأم وأكل ممضوغ منها، وبعد ثمانية أسابيع من ولادتها تحجز لها دورة تدريبية لتمتزج بأفراد القطيع الذكور، ليكتسب كل ذُئيبٍ صغير "علوم الرجاجيل" كما يُسمى هذا المنهج البري لدى البادية.
ويكون تجوال الناضجين في حدود أربعين إلى سبعين ميلاً من البراري، وهو مرهون بالمساحة التي فرض عليها القطيع هيمنته، و التي سيحميها بضراوة ضد تدخل أي قطعان أخرى، فولاءات الذئاب في البر، وإن كانوا من نفس الجنس والفصيلة كثديات، مختلفة، وبالتالي فمصالح البقاء بعالم الجوع والعطش تحتم هيكلة اجتماعية، تكون "المرجلة" فيها هي الحكم الفصل. إن ٣٥ في المئة من حياة تلك الحيوانات تقضيها في التجوال لا في الزراعة أو البناء مثل مجتمع النمل الأكثر تمدناً، وبالمناسبة قد يستغرب القارئ حقيقة الزراعة عند النمل لشتى المحصولات، ولكنني سأذكر تشابه اجتماعيات عالم النمل بمجتمع الحاضرة في مقال آخر بإذن الله، بُغية الاستمرار في تدبر قول الله عز وجل بوصفه للحيوانات "أمم أمثالكم"، فالخالق واحد؛ والمخلوقات خلقت بإرادته وحده سبحانه وتعالى، وبالتالي عندما تتشابه ظروف المخلوقات تتشابه سلوكياتها مثل ظروف البدو في الصحراء والذئاب في البراري، فالبقاء لا للأقوى، بل للأكثر تأقلماً. التواصل الاجتماعي عالي الخطورة جدا ببين قطيع الذئاب، والحذر فيه مهم جدا لديمومة عضوية الذئب الذي إذا خسر عضويته ضاع مصيره بين قطعان أخرى تنال منه ومن أعز ما يملك، لذا فالذئاب القيادية فقط هي التي يسمح لها بأن تكشر أنيابها في وجه ذئاب أخرى؛ وتوجه آذانها المنتصبة نحو من تكره، أما الذئاب الأخرى فتكون ذيولها بين رجليها وتكون عيونها شبة مغلقة وكأنها خط. ولعل إساءة العرب لبعض بقولهم "امش و ذيلك بين رجليك"، كدلالة على وضاعة الشخص الاجتماعية، تكون سُبة صائبة علمياً، كما يعظم البدو بكل قبائلهم بصر الذئاب، فعلمياً هي تلتقط أطيافا من الألوان لا نراها كبشر، وترى التحركات قبل إدراكنا لها، فالذئب ذو العين المهيبة، يرى العالم أسرع منا.تحت ضوء القمر، يعوي القائد ليبدأ جلسة عواء تشترك فيها جميع العناصر للتعبير عن ولائها لحزبها، وتكون نبرة الأعضاء العاديين بالعواء سريعة وخفيفة وحادة بخلاف الأسياد ذوي الذبذبة الصوتية الثقيلة، المتسمة بالامتداد والبطء، ولعل ذلك يحاكي الدراما الذكورية لدى مجالس الرجال، حيث يتكلم الذكر المسيطر بنبرة هادئة راكدة، ولا يزمجر بينهم إلا هو حين الغيظ... ولعل مفاد هذا المقال يلخصه هذا البيت:ليس للثعلب حظٌّ في غزالٍ عند ذئبٍالبدو كمسلمين، يكرمون عن تطابق حياتهم بحياة السباع، ولكن توجد صفات لدى قطعان الذئاب تعجبهم، مثل بسالة الجميع لإنجاد صاحبهم، والغيرة في الذود عن أعراض بعضهم، فالكل يحمي إناث بعض، لأن أي اختلال في النسل مع قطعان أخرى قد يشكل كارثة إدارية، فإن نظام هيكلتها الاجتماعية الحساس والذكي هو الذي من خلاله تقسم الغنائم وتخطط الهجمات على قطعان المواشي من خلال توزيع المواقع لئلا تفر الضحية وتقع في مخالب فرد مختبئ بكل جادة دُرِس احتمال فرار الضحية بها، فإنه لا يصيد ذئبٌ من تعب الجري بل بعزوة إخوته الذين وزعوا بينهم مجهودهم ليشبع الكل.
مقالات - اضافات
عِلة تبجيل البدو للذئب!
08-12-2018