دخل محمد شعير العالم المحفوظي الواسع من بوابة الرواية التي مثلت علامة فارقة في مسيرة محفوظ، إذ اختلفت حياته بعدها وواجه بسببها انتقادات عدة وفتحت عليه نار المصادرة، كذلك فتحت إزاء الأوساط الأدبية العربية أبواب التجريب الروائي وكتابة التساؤلات المدهشة.وكما اختلفت حياة محفوظ اختلفت أيضاً حياة شعير فأصبح كتابه « سيرة الرواية المحرمة « حديث المنتديات والمؤتمرات وسرعان ما رُشح لجائزة الشيخ زايد فى قائمتها الطويلة وترجم إلى اللغة الإيطالية.رواية الرواية
قدم شعير في كتابه ما يسمى « رواية الرواية» ، إذ قام باستقصاء موسع حول الملابسات والظروف التي دفعت محفوظ إلى كتابة روايته» أولاد حارتنا» ، راسماً صورة خلفية مكبرة للأحوال المصرية التي سادت تلك الفترة من الزمن، ذاهباً إلى أماكن وشخصيات ربما لم يلتقها أحد قبله، ما جعل تجربته في الكتابة أكثر مشقة من كثيرين تعاملوا مع أدب محفوظ واكتفوا بالجلوس معه لتسجيل سيرته. يستعرض الكتاب الأجواء التي صاحبت خروج « أولاد حارتنا» إلى النور، بعدما مضت فترة الصمت الروائي على محفوظ. فبعد التوقف عن كتابة الرواية، شعر ابن الجمالية بانجذاب إلى الأدب مجدداً. في تلك الفترة من نهايات الخمسينات، وهو الوقت الذي كان يميل فيه ناحية الدين والتصوف والفلسفة. فجاءت فكرة رواية « أولاد حارتنا» لتحيي في داخله الأديب الذي ظن أنه مات، وقد استوحى محفوظ عنوان روايته من إحدى أغنيات الطفولة « يا ولاد حارتنا... توت توت» ، وهي أغنية أشار إليها في روايته « خان الخليلي» .وعبر فصول الكتاب، لا ينشغل شعير بقضية تكفير محفوظ بل بكيفية تعامل المجتمع المصري ككل، باختلاف طوائفه مع الأدب، وطريقة محفوظ في التعامل مع الأزمة، وكذا طريقة السياسيين والمفكرين في التعامل معها، وحالة الاحتقان والترصد التي كان ينسجها المتطرفون حول أديب نوبل قبل محاولة اغتياله. كذلك يفتح في فصل كامل، كواليس رحلة حصول أول كاتب عربي على جائزة نوبل للأداب، ويكشف الأسماء المرشحة التي كانت تتنافس مع محفوظ.
ثلاثية السيرة
يقول شعير: « سيرة الرواية المحرمة» هي أول جزء من ثلاثية عن سيرة حياة الأديب الكبير نجيب محفوظ التي أعكف راهناً على استكمالها بالبناء الأدبي نفسه الذي راعيته في هذا الكتاب، مشيراً إلى أن الجزء الثاني سيكون عن « المخطوطات المفقودة» . وأضاف أنه لم ينشغل كثيراً بقضية تكفير نجيب محفوظ ولكن بكيفية الدخول إلى عالم هذا الأديب، و» كان ثمة سؤال يبدو لي واضحاً « ما الذي نريده من عالم محفوظ تحديداً» ، فجاءت البداية بسيرة الرواية المحرمة التي تشكل سيرة كاملة لمصر وللحداثة المصرية، فهي الرواية المركزية في عالم نجيب محفوظ، وحياته بعدها لم تعد مثل حياته قبلها، سواء بسبب الضجة التي صاحبت صدورها، ومنعها وارتفاع الأصوات التي طالبت بتكفير محفوظ، أو لأنها من ناحية أخرى الخطوة الأولى في التجريب داخل الرواية المصرية.احتفاء نقدي
نال كتاب شعير احتفاء نقدياً وأدبياً كبيراً فقال عنه وزير الثقافة الأسبق والناقد الأدبي الكبير جابر عصفور إنه يُعد سيرة موازية لما كتبه الراحل رجاء النقاش، مشيراً إلى أن شعير أغفل بعض الإصدارات التي هاجمت محفوظ إبان أزمة الرواية، فيما أشارت الناقدة اعتدال عثمان إلى أن « سيرة الرواية المحرمة» متعددة الأصوات وكتبت بأسلوب التداعي الحر المازج بين الثقافي والاجتماعي والأدبي. وذكر الكاتب مصطفى محرم أن شعير بحث في مئات الوثائق والدوريات، وبلغة تمزج بين السرد وتقنيات السينما التسجيلية، عن اللحظة المتوترة التي أثارتها الرواية، ليتجاوز كونها أزمة في حياة صاحبها، بل وسيلة لقراءة آليات وتفكير المجتمع، كاشفة عن التفاصيل المنسية حول البشر والزمن والتحولات ودوائر الصراع المكتوم داخل حارتنا المأزومة.سيرة شعير
يعمل محمد شعير (44 عاماً) كاتباً صحافياً بمؤسسة الأخبار القاهرية، درس الأدب الإنكليزي، وظهرت موهبته الأدبية مع تجاربه في « كتابات نوبة الحراسة رسائل عبدالحكيم قاسم، ومذكرات الآنسة أم كلثوم، وإدوارد سعيد: المفكر الكوني» ، وفي كتاباته الصحافية عموماً، والتي قادته إلى حصد جوائز عدة ومن بينها جائزة دبي للصحافة، وجائزة نقابة الصحافيين لدورات عدة.