يعاني الجيش الأميركي نقصا خطيرا في التمويل، وقد يخسر الحرب الكبرى التالية التي قد يشنها. كانت هذه الرسالة الأساسية التي حملها تقرير جديد صدر عن لجنة استراتيجية الدفاع الوطنية الواسعة النفوذ، تضم هذه اللجنة، التي أسسها الكونغرس لتقديم تقييم مستقل غير متحيز لاستراتيجية الدفاع الوطنية الأميركية لعام 2018، مسؤولين محترمين في واشنطن.

يعكس تقريرها بالتأكيد منطقاً استراتيجياً واضحاً يأخذ في الاعتبار أن الاستراتيجية تقوم أساساً على توافق الأهداف، والطرق، والوسائل، ففي مجال الوسائل تقر اللجنة أن سقوف الموازنة التي فرضها الكونغرس في عام 2011 دفع بالجيش الأميركي إلى شفير "الإعسار الاستراتيجي"، لذلك تقترح هذه اللجنة زيادة حجم ميزانية الدفاع الأميركية بنحو 3% إلى 5% سنوياً بغية تمويل تنامي القدرات العسكرية "السريع والكبير".

Ad

لكن اللجنة تركز انتقاداتها خصوصاً على الطرق، متهمة استراتيجية الدفاع الوطنية بالإخفاق في وضع مفاهيم عملانية واضحة بغية تحقيق الأهداف الأمنية الأميركية في زمن التنافس المتنامي بين القوى الكبرى:

"نحن قلقون من أن استراتيجية الدفاع الوطنية تعتمد غالباً على افتراضات مشكوك فيها وتحليلات ضعيفة وتترك أسئلة دقيقة عن كيفية نجاح الولايات المتحدة في مواجهة تحديات عالم يزداد خطورة من دون جواب".

ولكن عندما يصل التقرير إلى مجال الأهدف، يتبع نبرة رقيقة على نحو مفاجئ، فيؤيد تقييم استراتيجية الدفاع الوطنية للبيئة الاستراتيجية، واصفاً هذه الظروف بالظروف الأكثر تعقيداً وخطورة التي واجهتها الولايات المتحدة منذ عقود. كذلك لم يعارض الأهداف الاستراتيجية الأميركية القديمة الواردة في استراتيجية الدفاع الوطنية، إذ تصف اللجنة الولايات المتحدة كـ"قوة عالمية لها التزامات عالمية" وقوة عليها بالتالي الحفاظ على موازين قوى "مؤاتية" في المناطق الأساسية، مثل منطقة الهادئ الهندية، كي تعزز قيادتها العالمية.

ولكن كم من المنطقي أن تواصل الولايات المتحدة إنجازها هذه الأهداف الاستراتيجية المستمرة في عالم ينحو تدريجياً نحو تعدد الأقطاب؟

في كتابي الجديد Four Flashpoints: How Asia Goes to War (أربعة مواضع ساخنة: كيف تسير آسيا إلى الحرب)، أقدم أدلة تُظهر أن احتمال حفاظ الولايات المتحدة على أفضليات مماثلة غير متوازنة يتحول إلى وهم أكثر فأكثر.

أولاً، تعود الجغرافيا بفائدة كبيرة على الصين وروسيا. على سبيل المثال، تقع تايوان على بعد 11 ألف كيلومتر عن الولايات المتحدة في أميركا الشمالية، في حين لا تتعدى المسافة التي تفصلها عن الصين 160 كيلومتراً. وإذا أضفنا إلى هذا الواقع تطوير الصين قدرات أكثر قوة ودقة تمنع القوى الخارجية من الوصول إلى أراضيها أو اختراقها (A2/AD)، نرى أن هذه الميزة الجغرافية تتيح لبكين أن تمنع بسرعة الولايات المتحدة من التحرك للدفاع عن تايوان.

ثانياً، حتى لو امتلكت الولايات المتحدة تمويلاً أكبر تخصصه لهذه المشكلة، تبقى الكلفة التي تتكبدها بكين لمواجهتها ردود فعل مماثلة أدنى بكثير. تسعى واشنطن، مثلاً، إلى إقامة قواعد عسكرية على مسافة أكثر بعداً من الصين وتنشر انطلاقاً من هذه القواعد نفوذها على المسارح الرئيسة، مثل بحر الصين الجنوبي. وتشكّل القاعدة الأميركية-الأسترالية المشتركة الجديدة في جزيرة مانوس خير مثال لذلك، لكن الصين تستطيع بكل بساطة التفاعل مع هذه الجهود بإنتاج المزيد من الصواريخ القادرة على ضرب منشآت مماثلة.

ثالثاً، تكون الدول عموماً أكثر استعداداً لاستخدام القوة العسكرية للدفاع عن مصالح أقرب إليها، وهذا ما يثبته غزو روسيا جورجيا عام 2008 وضمها القرم عام 2014. على نحو مماثل، تصر الصين على التزامها بأن تايوان تمثل "مصلحة جوهرية" هي مستعدة للقتال في سبيل الدفاع عنها.

في آسيا، تتمتع الولايات المتحدة راهناً بمواقف قوة مماثلة في بحر الصين الشرقي وشبه الجزيرة الكورية. على سبيل المثال، لا يشكل جيش التحرير الشعبي الصيني نداً للقوات المشتركة الأميركية-اليابانية في صراع حول جزر سنكاكو/دياويو المتنازع عليها. وعلى الولايات المتحدة أن تبذل مجهوداً مضاعفاً في هذا المجال كي تضمن الحفاظ على مواضع القوة هذه.

في المقابل، تجد الولايات المتحدة نفسها في مسألة تايوان وفي بحر الصين الجنوبي بشكل متزايد في موقف ضعف. فستلتقي الجغرافيا الاستراتيجية، عاجلاً أو آجلاً، مع عملية تحديث الجيش الصيني لتمنح الصين اليد الطولى في هذه المناطق الساخنة. في هذه الأثناء، على واشنطن أن تتفادى تحويل هذه المناطق إلى محور المنافسة الأميركية-الصينية التي تزداد عمقاً.

إذاً، بالتركيز خصوصاً على بحر الصين الشرقي وشبه الجزيرة الكورية وتخفيف الضغط عن بحر الصين الجنوبي وتايوان، قد تنجح الولايات المتحدة رغم ذلك في تحقيق ما كان دوماً هدفها الاستراتيجي الأول في آسيا: منع قوة عدائية على الأرجح من السيطرة على المنطقة. صحيح أن نوع ميزان القوى الآسيوي الذي سينشأ عن مقاربة مماثلة سيكون أقل توازناً، إلا أن هذا يتماشى مع الصورة المجازية الأصلية عن التوازن في السياسات الدولية.

يتوقع كثيرون راهناً أن تؤدي المنافسة المتنامية الأميركية-الصينية إلى حرب باردة جديدة. في السنوات الأولى من الحرب الباردة الأصلية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، خاض صانعو السياسات الأميركيون مناظرات حامية عما يجب أن تكون الأهداف الاستراتيجية الأميركية في آسيا وعن كيفية تطبيقها.

نحن اليوم بأمس الحاجة إلى مناظرات حامية مماثلة، حتى لو تلقت ميزانية الدفاع التمويل الإضافي الذي طالب به تقرير لجنة استراتيجية الدفاع الوطنية، علماً أنه ما من ضمانات أن هذا ما سيحدث عقب دعوة الرئيس ترامب في شهر أكتوبر عام 2018 إلى اقتطاعات في الإنفاق بنسبة 5% في جميع الوزارات الفدرالية، لا يلغي هذا الحاجة إلى تقييم أكثر دقة وعمقاً للأهداف الاستراتيجية الأميركية، وخصوصاً في آسيا.

*"براندن تايلور"