انتصار السترات الصفراء... تصدع الديمقراطية!
![د. عبدالحميد الأنصاري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1555928789945225900/1555928807000/1280x960.jpg)
2- يبدو أن المسبحة كرت، وشهية الاحتجاجات انفتحت، وهي آخذة في الاتساع: حركة طلاب الثانويات محتجة على إصلاح البكالوريا، وطلاب الجامعات محتجة على زيادة رسوم التسجيل، وسائقو الشاحنات يهددون بالإضراب، ومربو الأغنام يهددون بالتظاهر. 3- عدوى السترات الصفراء، جاوزت الحدود إلى بلجيكا وهولندا، وصولاً إلى العراق، فالأوضاع الاقتصادية المتردية، وسوء الأحوال الاجتماعية والفساد، أجواء مثالية لانتشار العدوى الباريسية. 4- تجد الحكومات الديمقراطية الغربية نفسها في مأزق كبير، في مواجهة التحديات: تحدي الأحزاب الشعبوية الرافضة للمهاجرين، والتي اكتسحت الساحة الأوروبية ووصلت البرلمانات والسلطة، واضطرت الحكومات والأحزاب التاريخية الغربية لتقديم تنازلات كبيرة في مجال القيم الليبرالية والتسامح وقبول الآخر، حتى تحتفظ بأصوات ناخبيها، وهي اليوم، في مأزق أكبر أمام حركة الاحتجاجات العنيفة، فلا تستطيع مصادرة حق التظاهرات، التزاماً بالمبدأ الديمقراطي، وفِي الوقت نفسه تقف عاجزة أمام استيعاب مطالب الشرائح الاجتماعية المتضررة والفئة الطلابية (أصحاب الدخل المحدود والعاطلين والمتقاعدين) بسبب الفجوة الاجتماعية التي تزداد اتساعاً بين الطبقة السياسية القائدة (الرئيس والحكومة والبرلمان) وهذه الشرائح التي ترى البرلمانات والأحزاب والنقابات غير معبرة عن مطالبها، فتضطر إلى التعبير عن نفسها بأسلوب الاحتجاجات التي تلازمها أعمال الفوضى وقطع الطرق، فإذا واجهت الحكومة عنفاً بعنف، اتهمت بإساءة استخدام القوة، وثارت المنظمات الحقوقية الدولية، وهذا هو المأزق الحقيقي للنظام الديمقراطي! 5- حركة السترات الصفراء ليست وليدة نقابات ولا أحزاب، لكن اليمين الشعبوي أكبر المستفيدين، بل هي أحد إفرازات الثورة الرقمية، ومع ذلك فهي بلا هيكلية أو قيادة، مما يصعب التفاوض معها، ولن تقتصر مطالبها على لقمة العيش بل تتجاوز إلى أهداف سياسية: كرفضها الاتحاد الأوروبي والمهاجرين. 6- هل يذهب ماكرون ضحية حماسته لتفعيل اتفاقية باريس للمناخ كون الحكومة زادت الضرائب على الوقود، حماية للبيئة فانطلقت شرارة الاحتجاجات؟ حينئذ يحق لترامب أن يتهكم على ماكرون: لقد كنت على حق!أخيراً... لطالما اتهمت الجماهير العربية بأنها تخريبية، لا تعرف التظاهرات السلمية كالشعوب الأوروبية التي تتظاهر سلمياً، وهذه أعطت الحكومات العربية، ذريعة حظر التظاهرات، بحجة الحفاظ على الأمن العام وأرواح وممتلكات الناس، ها هي التظاهرات الغربية تعيث فساداً، وتخريباً، بشكل أسوأ من التظاهرات العربية.ختاماً: الديمقراطيات الغربية تواجه اليوم تحديات كبيرة تتطلب تطوير آلياتها، لتصبح أقرب إلى نبض الشارع، وأكثر استيعاباً لمطالب وتطلعات الجيل الجديد من الشباب والفئات الاجتماعية المتضررة، ولتكون أكثر تحقيقاً للعدالة الاجتماعية، واحتواء لمشاعر الغضب ومرارات الظلم والتهميش. * كاتب قطري