يتمتع العراق بمقومات لا تملكها معظم الدول، الموقع الاستراتيجي الجغرافي، والوضع الاقتصادي، فهو بلد نفطي، ويفترض توافر المياه العذبة لأنهاره دجلة والفرات وشط العرب لولا سدود تركيا على منابع الفرات وسدود إيران على نهر كارون الذي يصب في شط العرب. لقد تسلم حزب البعث السلطة في العراق، وتزعم صدام حسين البلاد في نهاية السبعينيات من القرن العشرين، انفرد بالحكم وقام بتصفية الأحزاب الأخرى، ثم لجأ إلى التصفيات الداخلية في حزبه، وأقدم على إشعال الحرب مع إيران، وبعد انتهائها أقدم على غزو الكويت عام 1990م، فلا مبرر للحرب مع إيران التي استنزفت إمكانات العراق المادية والبشرية لمدة ثماني سنوات، ولا مبرر لغزو الكويت الذي أدى إلى دمار الكويت والعراق.
ولو توافر الحد الأدنى من الذكاء السياسي لحقق ما يريد بالعلاقات الحسنة والحوار مع دول الجوار، ولوفر على نفسه الكثير من المشكلات، وكذلك تجنب السقوط المهين، فالاستقرار والعلاقات الجيدة مع دول الجوار مهمة لأمن أي بلد، ويكسب من خلالها استقراراً وتنمية، لكن الغباء السياسي لصدام قاده إلى تلك المغامرات ليذكره التاريخ كغيره من الدكتاتوريين والطغاة، ولم تكن حياة شعبه وتطوره مهمين بالنسبة إليه في مقابل مجده الشخصي، الذي لم يكن مجداً بل كوارث على شعبه وجيرانه. قال بيريس رئيس حزب العمل الإسرائيلي "إن إقامة علاقات حسنة بين الشعوب أنجح اقتصادياً من بناء جيوش باهظة التكاليف من أجل المحافظة عليها"، لكن المشكلة أن عدونا يجيد تلك اللعبة السياسية ولا يجيدها الحكام الدكتاتوريون العرب، ولا يستفيدون من دروس التاريخ ولا حتى من تجربة صدام حسين وغيره. لقد أقدم هذا الدكتاتور على غزو الكويت، ولم يستوعب دروس التاريخ وأن عصر التمدد، والتوسع، وإقامة الإمبراطوريات قد ولى، وأصبحت هناك خرائط ودول وحدود يحكمها نظام عالمي، كما أن مغامراته قد أساءت للفكرة القومية العربية التي حملها حزبه منذ نهاية الأربعينيات من القرن العشرين، بعد أن دمرها داخل العراق، وعمل ضد الأفكار التي تأسس عليها ذلك الحزب. نعم السياسة فنّ الممكن ومتغيره، ولكن الغباء السياسي لبعض الحكام مثل صدام حسين والقذافي وغيرهما قد دمر شعوبهم وشعوباً أخرى، وهذا ما تفعله الدكتاتورية، وما فعلته بهذه الأمة. لقد كان صدام حسين غبياً سياسياً، ولم يكن وحده بل كان عدد من أدعياء الثقافة السياسية العرب يؤيدون مغامراته على الرغم من الدمار الذي أحدثه لشعبه وجيرانه وأمته.
مقالات
غباء صدام حسين السياسي
12-12-2018