فرنسا: «تنازلات واعتذارات» ماكرون تفشل في منع «الفصل 5»
«السترات الصفراء» يصفون خطاب الرئيس بغير المقنع ويواصلون التعبئة ولوبن وميلونشون يصعَّدان
تواصلت الدعوات إلى التعبئة في فرنسا للتظاهر السبت المقبل، الذي أطلق عليه الإعلام الفرنسي اسم «الفصل 5»، بعد خطاب للرئيس إيمانويل ماكرون قدم فيه تنازلات كبيرة فيما يخص سياساته المالية واعتذر عن أخطاء، لكنه فشل في تهدئة الاضطراب الاجتماعي العميق.
سعت الحكومة، أمس، لإقناع الفرنسيين بأن التدابير التي أعلنها الرئيس إيمانويل ماكرون تستجيب لمطالب "السترات الصفراء" التي أعلنت بدورها عن خيبة أملها من الخطاب وعزمها مواصلة حركتها.وألقى، أمس، رئيس الوزراء إدوار فيليب كلمة أمام الجمعية الوطنية "البرلمان"، فصّل فيها الإجراءات التي كشف عنها الرئيس في كلمته التلفزيونية إلى الأمة مساء أمس الأول.ورسم فيليب معالم التدابير الاجتماعية الرئيسية التي عددها الرئيس: زيادة الحد الأدنى للأجور بمئة يورو، وإعفاء المتقاعدين الذين تقل معاشاتهم التقاعدية عن ألفي يورو في الشهر من الضريبة المعروفة بـ"المساهمة الاجتماعية المعممة" (سي إس جي) التي تصب في تمويل الضمان الاجتماعي، وإعفاء ساعات العمل الإضافية من الضرائب.
وأوضح وزير الدولة لدى وزارة الحسابات العامة أوليفييه دوسو، مساء أمس الأول، أن الإجراءات التي كشف عنها الرئيس ستكلف "نحو 10 مليارات يورو، إننا بصدد تحديد الأمر، وبحث كيفية تمويلها".
«السترات الصفراء»
وبعد إنهاء ماكرون كلمته التي استمرت 13 دقيقة، وسجلت سابقاً في قصر الإليزيه، رفضت "السترات الصفراء" "تقديمات الرئيس" واعتبرت خطابه عن الإصلاح الاقتصادي غير مقنع.وأعلن العديد من المحتجين عزمهم الاستمرار في قطع الطرقات وإقامة السواتر، لاسيما عند المستديرات، ودعوا إلى "فصل خامس" من التعبئة السبت المقبل، في جميع أنحاء فرنسا، ليكون "خامس سبت" على التوالي يشهد تحركات على المستوى الوطني منذ انطلاق الحركة في 17 نوفمبر، حتى تلبية مطالبها، والتي تضم قائمة بـ40 مطلباً تتمثل في النظر بقضايا عدة ومنها الإسكان والضرائب والصحة والتعليم وتم إرسالها في وقت سابق إلى وسائل الإعلام المحلية.وفي أول خطاب للشعب بعد أسوأ احتجاجات منذ سنوات، سعى ماكرون إلى استعادة الهدوء بعد اتهامات بأن شخصيته وأساليبه السياسية وسياساته الاقتصادية أدت إلى تصدع البلاد. وقال في كلمته التي بثت خلال وقت ذروة المشاهدة "نريد فرنسا يعيش فيها المرء بكرامة من خلال عمله، وقد سرنا في هذا السبيل ببطء أكثر من اللازم. أطلب من الحكومة والبرلمان القيام بما هو ضروري". وتابع: "إننا عند لحظة تاريخية لبلادنا" معلناً "حال الطوارئ الاقتصادية والاجتماعية".وقال الرئيس الذي تراجعت شعبيته إلى أدنى مستوياتها، إنه يدرك بأنه "حصل له أن جرح البعض" بكلامه، في وقت يتهمه العديد من المحتجين بالعجرفة والازدراء.لكنه أكد أنه سيلتزم بأجندته الإصلاحية ورفض إعادة فرض ضريبة على الثروة. وأوضح: "سنرد على الوضع الاقتصادي والاجتماعي الملحّ بإجراءات قوية من خلال خفض الضرائب بشكل أسرع ومن خلال استمرار السيطرة على إنفاقنا ولكن من دون التراجع عن سياستنا".وكتبت زعيمة حزب "التجمع الوطني الفرنسي" اليميني المتطرف مارين لوبن على "تويتر": "أمام الاحتجاجات، تراجع ماكرون عن إجراءاته السياسة الضريبية الخاطئة. هذا أمر جيد، لكن في الوقت نفسه يرفض الاعتراف بأن النموذج الذي هو بطله هو سبب الاحتجاجات"، مشيرة إلى أن هذا النموذج "يمثل العولمة المفرطة، والمنافسة غير العادلة والهجرة الجماعية بكل ما تنطوي عليه من آثار اجتماعية وثقافية". أضافت: "باختصار شديد، ماكرون، يتراجع إلى الخلف فقط ليتمكن من القفز بطريقة أفضل". بدوره، أكد رئيس حزب "فرنسا المتمردة" جان لوك ميلونشون، في تصريح عبر مواقع التواصل الإجتماعي، أن "كلام ماكرون عبثي وما عبر عنه من نوايا لا ينسجم مع أدائه السياسي". ولفت إلى أنه "يجب أن نختار، بين ما يريده الأغنياء وبين الاستجابة لمطالب الشعب"، معتبراً أنه "لا يتم الأخذ بعين الاعتبار أي من المطالب الشعبية لوجود المزيد من الديمقراطية التشاركية".واعتبر ميلونشون أن "الفصل الخامس من ثورة المواطنين السبت المقبل سيكون فرصة للتعبئة الكبيرة".وبينما استقبل ماكرون أمس، ممثّلي البنوك وكبريات الشركات ليطلب منهم "المشاركة في الجهد الجماعي" لمواجهة الأزمة الناجمة عن الاحتجاجات، أعلنت المفوضيّة الأوروبية أنّها ستدرس بعناية كيف ستنعكس على الموازنة الفرنسية، الوعود التي أطلقها ماكرون لامتصاص غضب الشارع. ويشترط الاتحاد الاوروبي ألا يتجاوز العجز في أي موازنة لدولة عضو نسبة الـ 3 في المئة. إلى ذلك، قالت زوجة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، الذي أعلن اعتزال الحياة السياسية منذ عامين تقريباً، أنه يفكر في العودة إلى الحياة السياسية في حال حدوث أزمة قومية في البلاد على إثر احتجاجات "السترات الصفراء".وأشارت كارلا بروني في تصريحات لصحيفة "لوبارزيان" الفرنسية: "نيكولا يقول لي دوما، هذا الوضع الذي تسير إليه البلاد، يجعلني أشعر بالقلق، أفكر بجدية في العودة إلى الساحة السياسية".وارتبط اسم ساركوزي في الآونة الأخيرة، بسلسلة هائلة من الفضائح القانونية، على إثر اتهامه بتلقي أموال من العقيد الليبي الراحل معمر القذافي.استطلاعات الرأي
وأظهر استطلاعان للرأي في فرنسا، أمس، أن تنازلات ماكرون لـ "السترات الصفراء" الاحتجاجية أحدثت تأثيراً على الرأي العام.وخلص استطلاع "أودوكسا"، الذي أجرته لمصلحة شبكة "فرانس انفو" وصحيفة "لوفيغارو"، إلى أن 40 في المئة من الذين شملهم الاستطلاع وجدوا ماكرون مقنعاً، في حين لم يقتنع به 59 في المئة.وأظهر استطلاع "أوبنيوم واي"، الذي تم إجراؤه لمصلحة تلفزيون "إل سي أي"، أن 49 في المئة من الذين جرى استطلاع آرائهم أبدوا اقتناعاً بماكرون، في حين لم يقتنع به 50 في المئة.وأظهر استطلاع "أودوكسا" أن 54 في المئة يرون ضرورة استمرار التظاهرات، في حين أظهر استطلاع "أوبنيوم" أن النسبة نفسها تؤيد وقف المظاهرات.