احتفل كثير من العراقيين، أمس الأول، بالذكرى الأولى لتطهير جميع الأراضي من تنظيم داعش، وتحرير كل المدن والبلدات التي سيطر عليها منذ عام ٢٠١٤، لكن الفرحة التي جمعت الشعب في لحظة نادرة قبل سنة لم تعد كما كانت، مع تزايد السخط على النظام السياسي، وتواصل الاحتجاجات العنيفة، وخصوصاً في البصرة عاصمة المال والأعمال.

وتأتي هذه الذكرى، التي أعادت هيبة المؤسسة العسكرية وخفّضت العنف إلى أدنى مستوى، وسط صراع سياسي شيعي يمنع اكتمال حكومة العراق الجديدة التي يترأسها عادل عبدالمهدي السياسي المخضرم المستقل، والذي حظي بثقة البرلمان في أكتوبر الماضي.

Ad

«جدار برلين العراقي» يسقط في ذكرى دحر «داعش»

ومع ذلك وقف العراقيون دقيقة صمت صباحاً في كل المدن، احتراماً لآلاف الضحايا العسكريين والمدنيين الذين سقطوا خلال ثلاثة أعوام من المواجهات الشرسة مع التنظيم، وخاصة في الموصل، ثاني أكبر مدن البلاد، والتي هُدم معظم أحيائها القديمة، ونزح مليونا شخص من أهلها، أغلبهم يعيشون اليوم ظروفاً صعبة.

كما تدفق أهالي بغداد إلى شوارع المنطقة الخضراء، المقر الحكومي الشديد التحصين، بعدما كان مغلقاً أمامهم لأسباب أمنية، وهو مكان مساحته شاسعة ويضم مقرات الحكومة والسفارات ويخنق قلب العاصمة التاريخي، ولم يسمح التحسن الأمني الحالي إلا بافتتاح جزئي للشوارع، يمثل سابقة مهمة لدى العراقيين، جعلت بعضهم يستخدم تعبير «سقوط جدار برلين العراقي».

وفور تسلمه مهامه، أمر عبدالمهدي بنقل مقر الحكومة إلى خارج المنطقة الخضراء، التي باتت تشكل رمزاً للفشل والفساد طوال أعوام عند المحتجين العراقيين، الذين اقتحموا أسوارها مرتين عام ٢٠١٥، في خطوة ربما تشجع التحالف بين اليساريين وتيار مقتدى الصدر على نقل احتجاجاته القادمة عند بوابة البرلمان حيث تحتدم الصراعات، وخصوصاً بين الفصيل الشيعي المقرب للنجف والآخر المتحالف مع طهران.

ووسط السخط الشعبي على تردي الخدمات وانتشار الفساد، يحاول عبدالمهدي، كما فعل سلفه حيدر العبادي، التنبيه لأهمية الإصلاحات النسبية التي تقوم بها الحكومة مستشعرة خطورة غضب الأهالي، إلا أن نقص الأموال وغرق بغداد بديون تقدر بنحو ١٢٠ مليار دولار، يجعلها عاجزة عن تحقيق تقدم سريع سواء للبصرة الجنوبية، التي تعاني نقصاً فادحاً في إمدادات المياه العذبة، أو الموصل الشمالية التي دمرتها حرب «داعش»، وهي تحتفل بخجل بذكرى النصر، متسائلة عما يعنيه اليوم لمعاناة تفوق التصور.

وبالنسبة إلى كثير من العراقيين، فإن النصر على «داعش» كان يعني إعادة بناء القوات المسلحة، وتأكيد سيادة العراق وتقوية شراكاته مع المعسكر الغربي وتقاربه مع المحيط العربي، إلا أن الذكرى الأولى لهذا الحدث تمر وسط محاولات إيران تمرير مرشحها لوزارة الداخلية، كي تحل «شريكاً» مرة أخرى في شؤون الأمن الحساسة، وتعوّض تراجعاً واضحاً في نفوذها بين نهرَي العراق، وفق ما بات يعبر به تحالف «سائرون»، وهو خليط من اليسار والتيار الصدري وقوى وطنية أخرى تنشغل هذه الأيام بتنظيم حملة متواصلة ضد نفوذ الجار الشرقي تحت عنوان «قرارنا عراقي»؛ للضغط على البرلمان كي يقدم جنرالات الجيش الذين حققوا الانتصار، لشغل الحقائب الأمنية واستبعاد مرشحي الأحزاب.