حسن الاعتذار
عائشة تبلغ من العمر ثماني سنوات، وفي يوم من الأيام قالت لها والدتها: "يا عائشة نظفي حذاءك اليوم، فإن الخادمة مشغولة جداً، وليس هنا من يقوم بتنظيفه".عائشة: أخاف أن تتسخ يداي، وأوسخ ثيابي، فتركتها أمها غير راضية عن إجابتها، وبعد ربع ساعة رجعت الأم فوجدت الحذاء نظيفا، فسألت عمن نظفه، فعلمت أن عائشة أدركت خطأها فأطاعت أمها وقامت بتنظيف حذائها. ذهبت عائشة إلى المدرسة متألمة مما أجابت به والدتها في الصباح، وشعرت بتأنيب الضمير، وفكرت أن تقوم عند عودتها من المدرسة بعمل يسعد والدتها ويرضيها، فعزمت على القيام بإعداد الطعام بنفسها، ولما عادت إلى المنزل، قبلت رأس أمها، ثم أسرعت إلى المطبخ، فهيأت أصناف الطعام المختلفة ووضعتها على طاولة الطعام، وأحضرت الملاعق والسكاكين وسائر الأدوات اللازمة، ووزعتها بنظام حسن وترتيب دقيق، ثم أسرعت إلى والدتها، وقالت:تفضلي يا أمي العزيزة نتناول طعام الغداء، عرفت أمها غرضها، وقبلت اعتذارها وقبّلتها وضمتها إلى صدرها، وتناولتا طعامهما وهما تتحدثان حديثاً حلواً جميلا.
ما أحلى الاعتذار بعد الزعل فإنه يغسل القلوب، ويجعلها صافية نقية من كل ما يكدرها ويحزنها ويتعبها، ويدخل البهجة والسرور إلى النفوس، فقديما قالوا في الأمثال: "الاعتراف بالخطـأ فضيلة". والتمادي في الخطأ خزي وندامة وشقاء وعدم راحة بال، ومن منا لا يخطئ في حياته، فكلنا بشر والبشر ليسوا معصومين من الخطأ كالرسل عليهم الصلاة والسلام، يقول حبيبنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: "كل بني آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون". العجيب في الموضوع أن بعض البشر قاسية قلوبهم، يخطئون بحق غيرهم لكنهم لا يعتذرون أو يعترفون بخطئهم، وهؤلاء صنف من البشر تأخذهم العزة بالإثم ولا يشعرون بألم الآخرين.ديننا الإسلامي حدد لنا فترة محددة للخصام بين المسلمين، فقال عليه الصلاة والسلام: "لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام".يبين رسولنا الكريم في هذا الحديث الشريف أنه لا يحل الهجر بين المسلمين أكثر من ثلاثة أيام، واعتبر ذلك محرما،فعجباً لمن يهجر أخاه المسلم أكثر من ثلاثة أيام، فتراه يهجره أسبوعا وشهورا وسنين فتأخذه العزة بالإثم ولا يفكر بالصلح مهما تكن الأسباب.فإلى هذه النوعية من البشر أقول: قبل أن تغسلوا أجسامكم بالماء والصابون، وتضعوا العطور الزاكية والبخور، اغسلوا قلوبكم أولاً ولو مرة واحدة في حياتكم، اغسلوها بالاستغفار والأذكار، وقراءة القرآن والصلاة والصدقة والزكاة.يقول عزل وجل في كتابه الكريم: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".