في إنصاف وزير الإعلام ورقيبه الملام (2 من 2)
![د. محمد بن عصّام السبيعي](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1527781193350968600/1527781229000/1280x960.jpg)
وهناك من ناحية ثالثة المعارف الممتعة أو غير النافعة كما يمكن أن يطلق على كثير منها، فوظيفة هذه لا تخرج عن رفد القارئ، أو السامع والرائي إن شئنا التوسع في أشباهها، ببعض لحظات الترويح والخبرات السارة، وعادة ما ينطفئ ذلك بعد إتمام قراءتها أو استهلاكها. وهذه الفئة من أسباب المتعة هي، على حد تقديري، ما يمثل سواد قائمة الحظر، فهي كثيرة ليسر تأليفها ولأن كثيرا منها يأتي كما قلنا أشبه ببطاقة شخصية لمؤلفها لتحقيق ذاته، خاصة حين تغفل التكلفة البيئية رغم تدني تكاليف الطباعة، فورق يستخدم لطباعة ما لا يغني ولا يسمن قد كان في الأصل أشجارا وغابات وارفة. مثل هذه المطبوعات محكوم عليها بالحظر بحسب التشريعات القائمة لأسباب تعود لخروجها عن النظام الاجتماعي أو استهزائها بثوابت المجتمع أو لانكبابها على مخاطبة غرائز الجسد، أمثلة لا يرى فيها المشرع صورة مثلى لتطور المجتمع. وهذا أيضا أمر مشروع في كل مجتمع والتأفف منه هو في الحقيقة تعدٍّ على إرادة المجتمع وذوقه، وهنا بالذات يبدو لي المجتمع ممثلا بمؤسساته المعنية في موقع المتسامح مع الرأي حيال طغيان بعض الكتّاب في فرض إنتاجهم في نطاق مسؤوليته، فهو لا يمانع ولا يهدد بأي تبعات حال نشر هؤلاء بضاعتهم في مجتمعات أخرى مما يتقبل ذلك. ورغم ذلك وتهويناً للأمر مرة أخرى فلا أظن أحدهم يتعسف القول بأن حظر هذه الأدبيات أو هذا المستوى من الأدب يستتبع بالضرورة نشرا للظلامية وتعطيلا لعجلة التقدم، فحتى روائع الأدب العالمي، رغم البون الشاسع والمكانة المرموقة، لم تكن لتعطل مسيرة التقدم البشري لو لم يدر عنها أحد. فهل يزعم مثلا أن حظرا لأوليفر تويست كان سيعطل مسير الثورة الصناعية في بريطانيا، أو أن إحجام غوته عن أشعاره كان سيضع حدودا على تقنية الألمان، أو أن ضياع روايات دستوفيسكي كان سيجعل الثورة في روسيا تتخذا مسارا مختلفا... أو لو أن عجوز همنغواي لم يبحر في قاربه ذلك اليوم لما كتب لوادي السيليكون وجود؟! لو حق ذلك لكانت شطحة عظمى!