لا بد من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شعر أن الأسبوع الماضي دام دهراً، فقد أطلق تصعيد مع حركة حماس في غزة ليومين سلسلة من الأحداث هددت بالإطاحة بحكومته، لكن رئيس الوزراء، الذي يشغل هذا المنصب منذ زمن، تفادى الانتخابات المبكرة في الوقت الراهن بتفوقه في مناوراته على شركائه في الائتلاف ورفعه احتمال مواجهة أزمة عسكرية من دون أن يصف في الواقع ماهية هذه الأزمة.

جاء هذا الانتصار كمذكّر بأن نتنياهو يبقى، رغم مشاكله القانونية وشركائه في الائتلاف المتمردين أحياناً، مسيطراً بقوة على عالم السياسة الإسرائيلي بعد مضي عشر سنوات على تبوئه منصب رئيس الوزراء من دون أن يتمكن خصم واحد من اليمين أو اليسار من تحدي قيادته.

Ad

يأتي الخطر الذي يهدد حكم نتنياهو هذه المرة من سياسيي اليمين الذين اشتكوا من أن وقف إطلاق النار السريع مع حماس يمثل استسلاماً للإرهابيين، لذلك استقال وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان وخرج حزبه «إسرائيل بيتنا» من الائتلاف، تاركاً حكومة نتنياهو مع أكثرية ضئيلة جداً لا تتعدى 61 مقعداً في الكنيست الذي يتألف من 120 مقعداً، وزاد وزير التعليم نفتالي بنت، قائد حزب «البيت اليهودي» الموالي للمستوطنين، الطين بلة بمطالبته بوزارة الدفاع وباتباع السياسة منحى أكثر تشدداً، وإلا سينسحب فصيله أيضاً من الحكومة.

أمل كل من ليبرمان وبنت استغلال الغضب الشعبي من أكثر من 460 صاروخاً أُطلقت على الأراضي الإسرائيلية من غزة قبل الأسبوع الماضي، مما أدى إلى مقتل شخص وجرح 20 آخرين على الأقل، فتشير استطلاعات الرأي إلى أن 74% من الناس مستاؤون من طريقة تعاطي الحكومة مع الأزمة، وأعلنت وزيرة العدل أيليت شكد مشيرة إلى تحذير بنت: «سئمت الناس من التصويت لليمين والتوجه إلى اليسار».

لكن نتنياهو، الذي ما زال أمامه سنة إضافية في الحكم قبل الانتخابات المقررة، رد الصاع صاعين، محذراً الوزراء المتمردين من أن الشعب سيحملهم مسؤولية انهيار حكومة يمينية.

في خطاب متكلّف بُث خلال وقت الذروة من مقر الجيش الإسرائيلي في تل أبيب مساء يوم الأحد، وصف نتنياهو الانتخابات المبكرة بـ»غير الضرورية» و»غير المسؤولة»، مستشهداً بوضوح بأزمتَي الائتلاف السابقتين في عامَي 1992 و1999 حين أُسقطت الحكومة التي كان يقودها حزبه «الليكود» من الداخل، ففي كلتا الحادثتين، حسبما حذر نتنياهو، استلم اليسار زمام السلطة وأوصل إسرائيل إلى «كارثتَي» اتفاقيات أوسلو والانتفاضة الثانية، لذلك حض نتنياهو قاعدته السياسية: «يجب ألا نكرر تلك الأخطاء».

لكن الأكثر خطورة أن نتنياهو، الذي يشغل اليوم منصب وزير الدفاع بالإنابة، يشير إلى أن أزمة أمنية تلوح في الأفق، إلا أنه يعجز عن إطلاع الشعب على تفاصيلها، أعلن: «لا ترون سوى صورة جزئية من حملة واسعة النطاق بلغنا منتصفها. نجد أنفسنا في خضم إحدى الفترات الأمنية الأكثر تعقيداً، وفي مرحلة مماثلة، لا نطيح بالحكومة... ولا نفر».

حتى بعض الأكثر تشدداً فهموا هذا المنطق رغم شكوكهم الخاصة حول نتنياهو. ذكر بيني كاتزوفير، زعيم مستوطنين مخضرم في الضفة الغربية، خلال مقابلة مع محطة إذاعية إسرائيلية: «من الخطأ إسقاط حكومة وأنت لا تعرف ما البديل».

بحلول صباح يوم الاثنين، سحب بنت تهديده، ووقفت شكد، نائبة حزبه بوجهها الباهت، إلى جانبه خلال المؤتمر الصحافي حين راح يعدد نقاط خلافه مع سياسة الدفاع الإسرائيلية التي طبقها نتنياهو طوال العقد الماضي، لكنه أعلن بعد ذلك فجأة أن نتنياهو تعهد بتغيير جذري في خطابه قبل ليلة. لم يقدِم رئيس الوزراء في الواقع على أي عمل مماثل، إلا أن بنت أضاف مشدداً: «سنقف إلى جانب رئيس الوزراء كي تعاود إسرائيل الانتصار مجدداً». وتابع: «أفضل أن يهزمني رئيس الوزراء في معركة سياسية على أن يهزم «قائد حماس إسماعيل هنية دولة إسرائيل».

ادعى بنت وشكد أن الكرة الآن في ملعب رئيس الوزراء وأنهما سيترقبان تغييراً في الاستراتيجية، لكن ليبرمان غرّد بسرعة على موقع «تويتر» منتقداً زملاءه السابقين: «صرنا ندرك اليوم لمَ خسرنا قوة الردع» في وجه حماس.