تباطأ السباق لنزع السلاح النووي لكوريا الشمالية الى حد كبير في الآونة الأخيرة، وفي الشهر الماضي ألغت بيونغ يانغ بصورة مفاجئة محادثات مقررة مع وزيرالخارجية الأميركي مايك بومبيو وسط تقارير تشير الى أن كوريا الشمالية مستمرة في تحسين قدراتها النووية والصاروخية، وعلى الرغم من اصرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب على جدية الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون ازاء التخلي عن أسلحته النووية فإن ثمة احتمالية كبيرة لأن تضطر الولايات المتحدة الى استخدام الخطة «ب» من أجل معالجة الخطر النووي.ولسوء الحظ كانت الأخبار تتحدث عن استراتيجية ادارة ترامب الهادفة الى ممارسة «ضغوط قصوى» في هذا الشأن منذ منتصف هذه السنة، ولعل الأسوأ من ذلك أن من الصعوبة بمكان احياء الجهود الدولية من أجل الضغط على كوريا الشمالية اذا وصلت الحملة الدبلوماسية الراهنة الى طريق مسدود. ثم إن الدول الرئيسية الداعمة لحملة الضغط – وهي الصين وكوريا الجنوبية بصورة خاصة – قد عقدت العزم على اصلاح العلاقات مع بيونغ يانغ التي توقفت في الوقت الراهن عن الاستفزازات التي يمكن أن توحد العالم ضدها. وفي غضون ذلك عطلت اشادة الرئيس ترامب الواسعة بالزعيم الكوري الشمالي قدرة الولايات المتحدة على حشد شركاء أجانب من أجل الضغط على بيونغ يانغ، وفي حال استمرار الاتجاه الحالي فإن أي محاولة لإعادة فرض ضغوط قصوى على كوريا الشمالية قد تكون غير فعالة، كما أن انهيار الدبلوماسية يمكن أن يضعف بشكل خطير خيارات السياسة الأميركية ويجعل النزاع العسكري أكثر احتمالاً.
استراتيجية ثلاثية الأطراف
تعتمد استراتيجية الضغوط القصوى على كوريا الشمالية على ثلاث ركائز تتمثل بشكل فعلي منذ مطلع عام 2018 على الضغط على نظام بيونغ يانغ، الأولى هي سلسلة من قرارات مجلس الأمن الدولي التي صدرت في عام 2017 وحظرت أكثر صادرات ذلك البلد مردوداً، بما في ذلك الفحم وفلزات الحديد والمأكولات البحرية والأنسجة. وتتمثل الركيزة الثانية في هذه الاستراتيجية في تشجيع الدول على اتخاذ اجراءات مضادة لأنشطة كوريا الشمالية السرية، وقد جعل فريق ترامب حملة الضغط أولوية قصوى، ونتيجة لذلك يستطيع الشركاء التأكد من أن الولايات المتحدة في أي مواجهة دبلوماسية سوف تطرح عدداً من المقترحات ضد كوريا الشمالية وسلوكها. وقد بدأت هذه الاستراتيجية تثمر بصورة سريعة. وبحلول شهر سبتمبر من عام 2017 قيدت أكثر من عشرين دولة أنشطة كوريا الشمالية الدبلوماسية التي تستخدمها من أجل مساعدتها على التهرب من العقوبات الاقتصادية.ويتميز أسلوب الولايات المتحدة لمحاربة محاولات كوريا الشمالية الهادفة الى الحصول على الوقود عبر النقل من سفينة الى اخرى، بالبراعة، ومن خلال خليط يشمل حظر الأمم المتحدة لعمليات النقل في البحر والجهود الاستخباراتية والدبلوماسية التي كشفت تكتيكات كوريا الشمالية تمكنت الولايات المتحدة من تحقيق تقدم بارز في مكافحة عمليات الغش والخداع التي مارستها بيونغ يانغ، ولم يكن الهدف اقناع كوريا الشمالية بالتوقف عن تفادي العقوبات أو منع كل شحنة غير قانونية – وهو هدف مستحيل – بل زيادة تكلفة العمل مع كوريا الشمالية بالنسبة الى الدول الاخرى والأطراف الثالثة.التحول المفاجئ
ربما لم تتمكن استراتيجية الضغوط القصوى من ارغام كوريا الشمالية على التخلي بصورة تامة عن برنامجها النووي ولكنها وفرت فرصة كبيرة لضغوط أميركية من أجل ضمان خفض حقيقي في برامج بيونغ يانغ لانتاج أسلحة نووية، وليس في الامكان الآن معرفة مدى نجاح هذا الأسلوب على وجه الدقة لأن الرئيس ترامب ومن دون انذار قرر اتباع طريقة دبلوماسية سابقة لأوانها مع الزعيم الكوري الشمالي.ولسوء الحظ بدأت حملة الضغوط القصوى على كوريا الشمالية تفقد زخمها منذ مطلع سنة 2018 وحتى منتصفها وثمة ثلاثة ظروف وتطورات بددت هذه الجهود التي نجحت من قبل. الأول كان في الشريكتين الرئيسيتين – الصين وكوريا الجنوبية – اللتين خففتا من تلك الضغوط، ومن غير المحتمل أن تعودا الى السياسة السابقة لمجرد أن الولايات المتحدة طلبت منهما ذلك. وتشير التقارير الى أن بكين خففت من عملياتها في تطبيق العقوبات الاقتصادية – بما في ذلك عمليات تفتيش للبضائع العابرة من الحدود الصينية والكورية الشمالية. وتزداد دعوات قادة بكين وموسكو الى تخفيف العقوبات من أجل مساعدة الجهود الدبلوماسية، ومن الواضح أن الصين لا تريد تشديد الاجراءات في هذه المرحلة، لاسيما بعد أن تحسنت العلاقات بين الزعيمين الصيني والكوري الشمالي منذ العام الماضي، كما أن زيادة التوترات الاقتصادية والسياسية بين الولايات المتحدة والصين تعطي بكين سبباً أكبر لعدم التعاون.ويحدث التحول الأكثر دراماتيكية في كوريا الجنوبية حيث يبدو أن رئيسها قد عقد العزم على المضي في سياسة مصالحة مع بيونغ يانغ وغير راغب في ترك هدف واشنطن في نزع السلاح النووي يحدد ويملي وتيرة جهود بناء السلام بين الكوريتين، وقد خلق ذلك حالة من التوتر بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، ومن هذا المنطلق فإن القرار الأميركي المفاجئ حول زيادة الضغط سوف يصطدم برياح سياسية معاكسة في تلك المنطقة ومن غير المحتمل أن يحقق نجاحاً.والأكثر أهمية أن تقرب ترامب من كيم جونغ اون واصراره المستمر على أن التحدي النووي تم حله قد أضعف حملة الضغط الأميركية، ويجد فريق ترامب من المستشارين والعاملين حول سياسة كوريا الشمالية نفسه في موقف غير ملائم عندما يحاول الحفاظ على الضغط. وصحيح أن ترامب قال إن العقوبات الاقتصادية سوف تستمر الى أن يتم نزع سلاح كوريا الشمالية النووي، ولكن هذا التغير في النبرة العامة – اضافة الى اعلانه أنه لم يعد يرغب في استخدام تعبير «الضغوط القصوى» نظراً للتفاهم القائم بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية – انما يشير الى تغير أكثر وضوحاً. ويوفر هذا الموقف غطاء بالنسبة الى الدول الاخرى لمقاومة أو تجاهل المطالب الأميركية بشأن تطبيق العقوبات، كما أنه يستخدم من جانب كوريا الشمالية من أجل تفادي القيام بخطوات نحو نزع سلاحها النووي.في غضون ذلك أثر التحول في أسلوب الرئيس ترامب على السياسة الأميركية المتعلقة بالضغط أيضاً وأفضى ذلك الى التخلي عن عدد من العقوبات الأميركية الجديدة بصورة دراماتيكية – هبطت بنسبة 85 في المئة – منذ قرار ترامب في شهر مارس الماضي مقابلة الزعيم الكوري الشمالي مقارنة مع السنة السابقة عندما كانت حملة الضغط في أوجها.استئناف الضغوط الأميركية
إذا كانت الولايات المتحدة تأمل استئناف أي ضغوط جدية على كوريا الشمالية فسوف يتعين عليها استعادة عمليتها الدبلوماسية بطريقة تستعيد من خلالها الضغوط القصوى في حال فشل المفاوضات مع بيونغ يانغ.وكبداية يتعين على الادارة الأميركية التخلي عن قائمة مطالبها الواسعة التي تشمل نزعاً سريعاً للأسلحة النووية في كوريا الشمالية وأن تتعهد بتخفيف العقوبات الاقتصادية عند ازالة آخر سلاح نووي من ذلك البلد. وليس ثمة فرصة على وجه التقريب لقبول بيونغ يانغ هذه الخطة التي تعطي الصين وكوريا الجنوبية ودولاً اخرى أيضاً الانطباع بأن الولايات المتحدة ليست مهتمة حقاً بالتوصل الى حل – وذلك جانب سيئ بالنسبة الى ممارسة الضغوط لأن واشنطن سوف تتحمل اللوم في حال فشل الجهود الدبلوماسية.ويتعين على الولايات المتحدة بدلاً من ذلك اعطاء الأولوية لتطوير خارطة طريق مع بيونغ يانغ لتحقيق أسلوب مرحلي يقدم مكافآت وفقاً لتصرفات وأعمال كوريا الشمالية.وعلى شكل جزء من هذه الخطة سوف تكون الولايات المتحدة في حاجة الى تحرير كوريا الشمالية من وهم فكرة أنها قادرة على تفادي حوار عمل ضمن تمسكها باجتماع ند لند مع الرئيس ترامب، حيث يعتقد كيم جونغ اون أنه قادر على نيل ما يريد. ويتعين على الولايات المتحدة أيضاً رفض عقد قمة ثانية ما لم يتم اجراء مثل هذا الحوار وينتج شيء ما يتفق الجانبان عليه: وهو بشكل أساسي عدم امكانية تحقيق حصيلة احتفالية من دون عملية تفاوضية.ويتعين على الدبلوماسيين الأميركيين عندئذ أخذ هذه الخطة – التي تتمتع بقدر أكبر من النجاح – وطرحها بشكل عملي والتوضيح بأن الدبلوماسية سوف تنجح فقط اذا اتحد الكل حول ممارسة ضغط على كوريا الشمالية. ويتعين عليهم أيضاً السعي الى التفاوض حول خطوات جديدة من أجل زيادة الضغط في حال رفض بيونغ يانغ لهذه الفرصة الدبلوماسية. والمنطق هنا واضح: نظراً لأن كوريا الشمالية لم تتوقف عن تعزيز ترسانتها النووية والصاروخية – في انتهاك لالتزاماتها في هذا الشأن – لا يوجد سبب يدعو المجتمع الدولي الى التراجع عن حملة ضغوطه عليها.خطوات أميركية أحادية
وفي وسع الولايات المتحدة الآن اتخاذ خطوات أحادية الجانب أيضاً من أجل منع تراجع الضغوط بطريقة أقل ازعاجاً للجهود الدبلوماسية، ويتعين على الادارة الأميركية، على سبيل المثال، البناء على قرارها الحكيم الذي أصدرته في الشهر الماضي لتشكيل مجموعة عمل مع كوريا الجنوبية حول بيونغ يانغ للتعاون مع بكين وتوسيع العقوبات ضد أطراف ثالثة مشاركة في أنشطة كوريا الشمالية السرية.ويتعين على أولئك الذين يخشون عودة أيام تهديدات الرئيس ترامب «بتدمير كوريا الشمالية بصورة تامة» دعم عملية انتقال سلسة للضغوط الدولية عندما يحين الوقت لمثل تلك الخطوة – وبعد كل شيء فإن الفشل في جذب ائتلاف دولي قد يفضي على الأرجح الى اعتماد ادارة ترامب على اجراءات أحادية... وربما عسكرية.