عندما تأتيك الأخبار فرادى ومجاميع ومن كل تجاه ووسيلة عن حجم ومستوى السرقات والاختلاسات والتنفيع بالبلد، تتشكك في أن الدينار الكويتي قد فقد قيمته، لا سمح الله، وصار يلعب بملاعب التومان الإيراني أو الدينار العراقي، وغيرهما من العملات كثيرة الأصفار قليلة المنفعة، فالمليون دينار الذي كان مجرد ذكره فيما مضى يهز المجالس ويرعب الرجال ويملأ الأحلام، صار مجرد رقم عادي لا هيبة له ولا احترام وكل من يمون عليه.التهوين والتقليل من قيمة المليون دينار أدّيا إلى استسهال عملية نهبه و"استدخاله"، ففي السابق كنا ندّعي أنها مسألة مبدأ، ومن يسرق ديناراً كمن يسرق مليوناً، فالمليون كان غاية المنى، والحد الأقصى للمستحيل، كما كنا نظن، اليوم الحرامي يجادلك بأنه لم يسرق سوى مليون دينار فقط!... فقط؟ نعم فقط، أي أنه سرق مربط المبدأ، ولا يشعر بأنه قد قام بالواجب كما يجب، أو أخذ حقه كما يستحق، وفوق هذا يركّبنا العيب لأننا وقفنا في طريق تحقيق طموحاته العظيمة.
انعكس انكماش قيمة المليون الاجتماعية كذلك حتى على سلوك اللصوص والمرتشين والمنتفعين أيضاً، وأدت سهولة الاستيلاء عليه إلى زيادة ثقتهم بأنفسهم وتخليهم عن الاحتياطات الأمنية اللازمة في مثل هذه الحالات، فقد كانت أحلام الفاسد، في السابق، الاختلاس والهرب خوفاً من العقاب وللاستمتاع بغنيمته في الخارج بعيداً عن الأنظار، وهو سلوك حذر وعقلاني نوعاً ما، ويحمل في طياته خجلاً من مواجهة المجتمع الذي سرق أمواله العامة، أما سارق ملايين اليوم فيظل بالكويت "يترزز" أمامنا، ويصرف أموالنا بكل بجاحة في شراء أفخم الكماليات التافهة، ليتباهى بها علينا، بل إن بعضهم - من ثقته الزائدة "بالسيستم" - يطالب فوق الملايين التي "أممها" بالاحترام والمكانة الاجتماعية ومناداته بالعم أو طويل العمر، إلى أن تقع الفاس بالراس في يوم ما، لأسباب خارجة عن إرادته ونتيجة لتصفية حسابات سياسية قد يكون لا علاقة له بها، ولكن بسبب حساباته الخاطئة وتخليه عن حذره وخجله وتقليله من قيمة المليون منذ البداية، تضاءلت طموحاته للحبس بالمستشفى الحكومي بدلاً عن السجن المركزي.حتى الحرامية اختربوا!
أخر كلام
نقطة: المليون صار خردة!
15-12-2018