إنه الاحتلال والاضطهاد العنصري يا «غبي»
"إنه الاقتصاد يا غبي"... جملة كانت شائعة في تفسير سبب اختيار الناخبين الأميركيين لبيل كلينتون رئيساً رغم آثامه، وكان القصد منها الإشارة إلى أن الدافع الاقتصادي، لا الأخلاقي، هو العامل الحاسم في تصويت الناس. واليوم يجتهد نتنياهو، ومراكز أبحاثه، وأجهزة مخابراته الإسرائيلية، ومعهم زملاؤهم الأميركيون من فريق ترامب، وخصوصا السفير فريدمان، لتحديد سبب لجوء الفلسطينيين إلى المقاومة، بكل أشكالها، بعد أن ضاقوا ذرعاً بكل ما يتعرضون له من قمع وتنكيل. وكما هو معتاد، فإن نتنياهو، وصحبه، وأبواقه الإعلامية، لا يقدمون سوى سبب واحد، لتصاعد المقاومة الفلسطينية وهو "التحريض"، وهم بذلك يخدعون أنفسهم، ويحاولون خداع العالم معهم، لإبعاده عن رؤية الأسباب الحقيقية، والصورة الحقيقية لما يجري.
هم يشيرون إلى القتلى الإسرائيليين، ولا يذكرون آلاف الشهداء الفلسطينيين، ويعتّمون على جرائم جيش الاحتلال، ومنها الإعدام الميداني للشهيد صالح البرغوثي بعد أن تم إلقاء القبض عليه وأسره وهو حي معافى حسب شهود العيان، فانضم إلى الشهداء أشرف نعالوة ومجد المطور.ويتجاهلون جريمتهم الفاحشة بإطلاق ثمانين رصاصة على المواطن الفلسطيني حلمي العارضة ابن السبعة والخمسين عاما، وتفجير رأسه وتحويل جسمه إلى أشلاء، وهو لم يفعل شيئاً سوى السير بسيارته نحو بيته بحثاً عن الأمان، وقد حاولوا التستر على جريمتهم، بادعاء أنه حاول دهس الجنود، ثم تراجعوا عن كذبتهم بعد أن فُضحت. تعرضت مئات من سيارات الفلسطينيين لرشق المستعمرين بالحجارة، وفقد أحدهم عينه على يد المستوطنين، وهوجمت بيوت عديدة في عدة قرى مثل بورين، وحي الياسمين قرب الجلزون، ولم يُردع المستوطنون إلا عندما تصدى لهم الشبان الفلسطينيون. وطوال السنتين الماضيتين، عمل نتنياهو مع إدارة ترامب على مشروع خطير لتصفية مكونات القضية الفلسطينية تحت عنوان صفقة القرن، وقبل عام بالضبط أقدمت إدارة ترامب على نقل سفارتها إلى القدس خارقة بذلك القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وأمعنت في محاولة تصفية حقوق اللاجئين في العودة من خلال الهجوم على وكالة الغوث. وخلال هذين العامين أطلق نتنياهو وحش الاستيطان بصورة لا سابق لها، مستغلاً صمت إدارة ترامب، ودعمها. وامتلأت السجون بالأسرى والأسيرات، حيث لا يمر يوم دون اعتقال العشرات، وتعاظمت محاولات التهويد في القدس والمسجد الأقصى. وعندما حاول البعض طرح مبادرات سياسية دبلوماسية لم يترك نتنياهو وحكومته باباً إلا وأغلقوه، وعملياً فإن الذي مات في شوارع نابلس والقدس ورام الله في الأيام الماضية، ليس الشهداء الخالدين في جنات الخلد وفي قلوب شعبهم، بل اتفاق أوسلو بكل مكوناته بعد أن خرقته حكومة إسرائيل، وجيشها، المرة تلو الأخرى. اليوم تعيش فلسطين إجماعاً شعبياً وتحولاً نوعياً، جوهره الاقتناع بأن طريق المفاوضات قد فشل وانتهى، وأن بديله هو إستراتيجية وطنية جديدة عمادها المقاومة الشعبية، والمقاطعة، والوحدة، وتعزيز صمود الناس، وإعادة بناء التكامل بين مكونات الشعب الفلسطيني، والعمل على زعزعة صفوف الخصم، وتغيير ميزان القوى. استراتيجية تعيد نهج الاعتماد على النفس، بدل انتظار المساعدة من الآخرين، وتركز على تنظيم النفس، وتحدي إجراءات الاحتلال ومستعمريه المستوطنين.وبكلمات أخرى، ترسخت مجدداً القناعة الشعبية بأنه "ما حك جلدك مثل ظفرك"، وأن الحال لن يتغير ما لم يصبح الاحتلال مكلفاً، بدل أن يكون مربحاً. ولا يحتاج الفلسطينيون إلى تحريض من أحد، فالظلم الوحشي الواقع عليهم هو أكبر محرض على المقاومة والعصيان.يستطيع نتنياهو و"زلمه" أن يواصلوا الادعاء بأن مُفعل المقاومة هو التحريض، ويستطيعون أن يواصلوا حملاتهم الإعلامية التي تشوه الحقائق، ولكن كل ذلك لن يغير الحقيقة التي تصرخ في وجوههم بأن ما يفجر المقاومة اليوم، كما في السابق، هو الاحتلال والظلم، ونظام الأبارتهايد والتمييز العنصري، فهل يفهم الأغبياء؟* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية