كنتُ أعتقد أن "الفاشينيستا" ظاهرة عالمية تجتاح الشباب والمراهقين المدمنين على هواتفهم الذكية والتطبيقات الإلكترونية، حتى لفت نظري خبر تضخُّم حسابات مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي أو الفاشينيستات بملايين الدنانير، وهو ما أحال بعضهم للنيابة العامة في شبهة غسل أموال. لكن بعد جردة لبعض الدول حول العالم استمرت ليومين اكتشفت أن هذه الظاهرة ليست منتشرة بالطريقة والكم الموجودين لدينا.نعم يوجد بعض مشاهير السوشيال ميديا، مثل كيم كاردشيان، الاستعراضية الأميركية من أصل لاتيني، لكن غالبية إعلاناتها تتم عبر وسائل الإعلام التقليدية، كالتلفزيون والمجلات، بينما لدينا هذه الظاهرة منتشرة، ويجني مَن يمتهنها أرباحاً بمئات وربما ملايين الدنانير، والسبب هو أن مجتمعاتنا تعاني سيادة معايير المظاهر والاستهلاك و"التشيحيط"، فالمظهر أهم من الجوهر عندنا.
إعلان التلفزيون أو الصحيفة أو المجلة لا يخدعك غالباً، إلا إذا كنت لا تملك القدرة على التقييم، بينما "الفاشينيستا"، أو مشهور التواصل الاجتماعي، يخلق معك علاقة شبه شخصية، عبر التواصل المستمر معك يومياً، فعندما يقدِّم لك منتجاً معيناً يغيِّب كل مداركك الأخرى، فتسعى للحصول عليه بأي وسيلة كانت، حتى لو اقترضت لتفعل ذلك.مشهور بوسائل التواصل الإلكترونية اعترف منذ فترة بأنه كان يُمثل أنه مستمتع بطعام بالغ السوء في الإعداد والطعم، والمشكلة أنك في وسائل الإعلان التقليدية تعلم أنه إعلان فتأخذ حذرك، لكن "الفاشينيستا" تقدمه كسلوك شخصي، ولا تُفصح عن أنه إعلان تجاري مدفوع الثمن، فيتبعها أو يتبعه المراهقون وعديمو الخبرة والمصابون بالإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الإلكترونية.الحقيقة أن المجتمعات "الفاضية" أو ذات الفراغ لمشاريع شخصية جادة؛ مهنية وعملية، هي ضحايا لمرض المظاهر والتفاخر بـ"الشراء" والاستهلاك، وهو مضمار التنافس بين أبنائها. في المجتمعات التي صنعت تكنولوجيا التواصل والهواتف الذكية والحضارة الحالية يعمل أبناؤها من التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساءً، ووجباتهم سريعة لمواصلة العمل، ولا يبحثون عن مطاعم إلا في المناسبات الخاصة، وربما مرة أو مرتين في الشهر، بينما "عيالنا" بيئتهم المجمعات التجارية والمطاعم، وهو ما يصنع الفارق، ويجعل البعض يربح الملايين على حساب أبناء مجتمع يبحثون عن المظاهر وإهدار أموالهم فيما لا ينفع.
أخر كلام
«الفاشينيستا»... ظاهرة في المجتمعات «الفاضية»!
16-12-2018