انعطافة محورية منتظرة لهبة القواس في بداية السنة الجديدة، تحمل اختلافاً غنائياً في الموسيقى والشعر والشكل الموسيقي، من دون المساس بجوهر موسيقاها، إنما عبر تبسيطه ليصل إلى الفئات العمرية والاجتماعية والموسيقية، في إطلالة عصرية مختلفة تلامس الذائقة الشبابية بأسلوب القواس الراقي. ذلك كله من خلال أغنيتين جديدتين (تعلن عنهما قريباً) تخاطب عبرهما آذاناً متعطشة إلى أغنية راقية وتواكب الحداثة الفنية في الوقت نفسه، وقد وضعت اللمسات التسجيلية الأخيرة على إحداهما في استوديوهات «باركو ديللا موزيكا» في روما مع مهندس الصوت ايغور فيوريني، وأُنجز الماستر في استوديو VDM.
بين روما وبيروت
خلال زيارتها روما لتسجيل أغنيتيها الجديدتين، قادت هبة القواس «أوركسترا روما سمفونيتا» في أمسية موسيقية باهرة، ثم عادت إلى لبنان لحضور عملها الموسيقي السمفوني «بلوزيس رقم 1» الذي عزفته الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية بقيادة المايسترو لبنان بعلبكي، لمناسبة العيد المئوي لجمهورية رومانيا، في حفلة موسيقية أوركسترالية في كنيسة القديس يوسف للآباء اليسوعيين في الأشرفية. تضمن كونشرتو بيتهوفن للكمان الذي عزفه بمهارة الروماني ريموس إزويتي، ورابسودي للمؤلف الروماني جورج أونيسكو إلى جانب مؤلَّف القواس.«بلوزيس» عبارة إغريقية قديمة تعني الدفق، والطوفان والإبحار، ألفتها القواس عام 2000 وعزفتها أوركسترات عالمية، من بينها: «أوركسترا لندن» و«البولشوي»، و«كراكوف»، و«ترانسيلفانيا»، و«أوكرانيا»، و«القاهرة» وغيرها. وكانت الأوركسترا الفلهارمونية في لبنان عزفتها في سنة 2000 بقيادة المايسترو هاروت فازليان، لتعزفها مجدداً في أمسية كنيسة القديس يوسف بقيادة المايسترو لبنان بعلبكي الذي عمل على الجرس الموسيقي في المؤلف وإظهاره من خلال تصويتات الآلات الموسيقية. تلقَّ الحضور القطعة الموسيقية بشكل مختلف عن المرة الأولى (عام 2000)، من حيث الوعي الموسيقي والانسجام الفني والتفاعل المدرِك معها، في إشارة إيجابية إلى ارتقاء الذائقة اللبنانية للموسيقى الكلاسيكية على نحو تصاعدي لافت.أبعاد داخلية
قدَّم المايسترو لبنان بعلبكي مع الأوركسترا أداء لامس الحضور، خصوصاً في الحركة الثانية التي تحمل من الشاعرية ما يأخذ المستمع إلى أبعاد داخلية، إذ تنساب الوتريات بهارمونية مكتوبة وتتناوب الآلات على اللحن الرئيس، من الكمان إلى الترومبيت إلى الفلوت، ثم الثيمة التي تعود في كل حركة ببعدها الدرامي، لتصل الحركة الثانية إلى أوجها من البناء الدرامي في الضربات للطبول الجهيرة من الوتريات وآلات النفخ على طبقات منخفضة تتباطأ حتى ختام الضربة النهائية من الحركة الثانية، فتترك حالة من العمق الداخلي يرافق صمت انتهاء هذه الحركة، قبل أن تطلق الأوركسترا صوتها مع بداية الحركة الثالثة التي أدتها الأوركسترا وقائدها بمهارة، وتستخدم القواس فيها حركة أوركسترالية وتوزيعاً يوظف طاقة الأوركسترا كلها، فتمرّ الحركة الأوركسترالية على الوتريات وآلات النفخ الخشبية والنحاسية، بالإضافة إلى الإيقاع والطبول والصنوج التي أعطت أقصى ما لديها من تصويتات وجمل موسيقية سريعة الحركة والإيقاع، لتوليد صوت كبير يأخذ آذان المتلقي في جو الكاتدرائية وصداها وقبتها، إذ يكبر الصوت ويتصاعد حتى ختام القطعة الموسيقية.غناء أوبرالي عربي
مسار غنائي موسيقي شكل هوية الفنانة هبة القواس الفريدة والرائدة، خصوصاً في الغناء الأوبرالي العربي الذي حملت رسالته مؤمنة بقدرتها على إيصاله إلى الأذن الشرقية. فانتهجت نمطاً عالي المستوى في التأليف الموسيقي السمفوني، وفي ألحانها المستمدة من ثقافتها الموسيقية «النخبوية» كما اصطلح على تسميتها. لذلك، برز تحد جديد عندها تمثل في مقاربة مغايرة لهذه النخب، موسيقياً وشعرياً وغناء، إيماناً منها بحق الجميع في الموسيقى من دون تصنيف وتأطير.