ومضات بسيطة
إحالة وزير الداخلية قضايا اتهامات جزائية لضباط ومسؤولين كبار في الوزارة للنيابة والقضاء تعد خطوة كبيرة لمحاربة الفساد في هذه الوزارة، والمهم ألا تفرمل عجلة الإحالات للقضاء عندما تصل إلى رؤوس كبيرة تعد تراث السلطة السياسي، واعتادت أن تكون فوق المحاسبة القانونية. ما صنعه وزير الداخلية يعد نفضة جيدة لهذه الوزارة "السيادية" المحتكرة لأبناء الأسرة، وكان موظفوها الكبار دائماً يعتقدون أنهم فوق القانون، بحجة أنهم العين الساهرة على الأمن، ولا يتصور عندها أنهم قد يكونون في يوم ما محلاً للشبهات، بينما أظهر الواقع في الأيام الأخيرة أن "حاميها حراميها". من جهة أخرى، قيام وزير الدفاع بإنهاء انتداب العسكريين لمجلس الأمة يعد ومضة ضوء تكشف الكثير من خبايا مظلمة في عالم الوساطات والمحسوبيات واستغلال المنصب السياسي، فهذا الندب كان يتم عبر وساطات النواب عند الحكومة، وكان يعد ميزة دون وجه حق للنواب المتوسطين وللعسكريين المنتدبين، ينتهك مبدأ العدالة والمساواة، وهو صورة قبيحة للفساد في مجلس الأمة، وفي الحكومة ذاتها التي أقرت منذ زمن قديم مثل تلك الممارسات.
في حالة وزارة الداخلية هناك اتهامات بجرائم استغلال نفوذ والتربح من المال العام وغيرها، وهي جرائم صريحة، وفي الحالة الثانية، أي الانتداب من وزارة الدفاع لمجلس الأمة "الذي يتم عبر الوساطات"، لا توجد جريمة تخالف القانون، إنما هي جريمة أخلاقية تدخل في جوف جبل الفساد السياسي الضخم الجاثم فوق صدر الدولة، ويلفها من ألفها إلى يائها.كذلك نشرت هذه الجريدة بالأمس أخباراً عن مخالفات وتجاوزات مالية كبيرة لوزارة الصحة، منها، وليس أكبرها، العلاج في الخارج، الذي يبدو عصياً على العلاج عند هذه الحكومة، فهو أداة رائعة في الفقه السلطوي لمزيد من الاسترضاءات وكسب الولاءات السياسية عند أصحاب السلطة، وإذا كان هذا حكم الأخير (الانتداب) لا يشكّل جريمة جزائية، إلا أنه أيضاً جريمة أخلاقية وسياسية تنهش من خاصرة العدالة والمساواة، وتستنزف الأموال العامة، وترهق إحساس ومشاعر البشر الذين لا يجدون نائباً في مجلس الأمة أو متنفذاً كبيراً يخلص معاملاتهم في دولة يتضاءل فيها حكم المؤسسات لمصلحة سيادة الوساطات، هنا ننتظر من وزير الصحة أن يتحرك الآن لضبط الأمور السائبة في الوزارة.ما سبق ذكره من ومضات يعد قشّة صغيرة من أكوام عالية لدنيا الفساد والمحسوبيات في مملكة "لو حبتك عيني"، ويبقى هناك الكثير الذي ينتظر شجاعة وحسم مسؤول كبير لبتره مرة واحدة وللأبد، فماذا ينتظر حكماء السياسة القابعون على كراسي السلطة منذ سنوات طويلة، الأحوال الاقتصادية لا تبشر بالخير، ولم يعد في الوقت متسع للتسويف والتأجيل.