ما المقصود بتصوير أعمالك الأخيرة خلال حقبات زمنية متعاقبة: «وأشرقت الشمس» إبّان الاحتلال العثماني، ثم «أمير الليل» إبّان الانتداب الفرنسي، وراهناً «حبيبي اللدود» إبّان الحرب اللبنانية؟عندما كتبت «وأشرقت الشمس» وردت فكرة طرح قصة الحبّ خلال حقبات زمنية متعاقبة في مسلسل واحد، ولكنني عدت وقررت تقديم قصص حبّ في مسلسلات منفصلة متعاقبة زمنياً.
في رأيك، هل استخدام قصّة حبّ للتحدث عن الحرب، أقل وطأة على المشاهد من تصوير الحرب ومآسيها بشكل مباشر؟طبعاً. أقدّم عملا درامياً لا وثائقياً، يتضمّن قصص حب واجتماعيات هادفة. أي أنني أعمد دائماً إلى توجيه رسائل مبطّنة من خلال قصص الحبّ ليتلقفها الجمهور من دون أن أستخدم الخطاب المباشر.ألا ترين أن توقيت المسلسل مستفزّ نظراً إلى الواقع السياسي الذي نعيش، ولأن اللبنانيين لم يشفوا نهائياً من رواسب الحرب اللبنانية؟صحيح أن جيلنا عايش الحرب اللبنانية لذا يتأثّر ببعض المشاهد، إنما أتوّجه إلى الجيل الجديد الذي لم يعش تلك الحقبة، لتوعيته، كونه تابعاً أعمى للزعيم السياسي ويقاتل في الشوارع من أجله، رغم الوضع الأمني غير المستقرّ حولنا. على كلٍ اقتصرت مشاهد الحرب ومآسيها على حلقتين، لنراها بشكل متفرّق من دون إيلائها أهمية في الحلقات اللاحقة. هل تصوير مشاهد الحرب والمآسي وسيلة فاعلة لتحقيق هدفك التوعوي؟طبعاً. تفاعل الناس مع مشاهد الحرب والموت والتهجير والمجازر وكيف قتل محازب صديق طفولته لأسباب سياسية، خير دليل على أنني حققت هدفي. في رأيي، ما الحرب سوى وسيلة لتمرير صفقة سلاح بين الفرقاء المتقاتلين. تبدأ كل الحروب بهدف صحيح ولكنها تنتهي مفتعلة لتحقيق مصالح شخصية وانطلاقاً من مؤامرات يدفع ثمنها الشباب المتحمسّون بشكل أعمى للزعماء. لكنك طرحت وجهات نظر مختلفة تجاه التحزّب والالتزام الحزبي في المسلسل.طرحت وجهة نظر الأهل الذين يخشون أن يفقدوا أولادهم المقاتلين فيما عوّدهم آخرون على الاستزلام الأعمى للزعيم، بغض النظر ما إذا كان صالحاً في تفكيره أم طالحاً. كذلك طرحت وجهة نظر الشباب المتحمسّين الذين يفكّرون بأنهم يقاتلون من أجل الدفاع عن الوطن وقضية وطنية أو وجودية فيما هم في الحقيقة ضحيّة صفقات.
حبّ معاصر
علام يتمحور مشروعك المقبل؟سأكتب قصة حبّ من الزمن المعاصر، وما دمت أكتب بواقعية، سأتحدث إذاً عن مشاكلنا البيئية والاقتصادية والمعيشية، متطرقّة إلى معاناة ووجع الفقير الذي همّه تعليم أطفاله وإطعامهم.تتطلب القصة المعاصرة جرأة في طرح مواضيع شائكة ممكن اعتبارها دعماً لفريق أو ضدّ فريق آخر.لن أتجرأ على انتقاد فريق سياسي معيّن، لأنني سأُتهّم عندها بالانحياز إلى فريق آخر. لست منتمية إلى أي حزب، وفي الوقت نفسه ليست لديّ مشكلة مع فريق أو حزب معيّن. بل مشكلة مع الأحزاب عموماً وأداء بعضها في ظروف محددة. هدفي الأساس توعية الناس لذا تمنيت لو عُرض «حبيبي اللدود» قبل الانتخابات النيابية، لربما لم ينتخب الناس بشكل أعمى، أولئك الذين فشلوا بالحكم منذ 20 عاماً ولم يقدّموا أي مشروع وطني، ودفعوا الشباب إلى الهجرة. يتبع الشعب الزعيم بشخصه بدلاً من القضية والمصلحة الوطنية. في رأيي، استلمنا الديمقراطية مبكراً قبل نضوجنا كشعب.يصف بعض الممثلين نصّك بالعميق غير القابل للتعديل بأية كلمة أو عبارة، إلام تعزين ذلك؟إنها الموهبة. لديّ إحساس بالشخصيات التي أرسم هويّتها، فنعرف تاريخها وما أوصلها إلى حاضرها وماهية مستقبلها. أدقق في تفاصيلها، من دون أن أملأ حواري بالحشو، بل أضع كل كلمة في مكانها المناسب لتعبّر عن الشخصية والحالة وما سيأتي لاحقاً.تحرصين شخصياً على اختيار الممثلين فيما يعتبر المنتجون والمخرجون أنهم المسؤولون عن ذلك؟بصراحة، كلّفني هذا الأمر خسارة التعامل مع بعض المنتجين والمخرجين. أحترم رأيهم ولكنني ببساطة لا أثق بتسليم نصّي لأي كان، فذلك كمن سلّم طفله إلى عائلة أخرى لتربيه. هكذا أشعر. ألا تتقبليّن رأي منتج أو مخرج أو ممثل بنصّك؟لم أستفرد يوماً بالرأي. على كلٍ، وزّعنا أدوارنا في شركة «طايع للإنتاج» وفق اختصاصاتنا، أتوّلى الاختصاص الفنّي، وإميل طايع مسؤول عن الشؤون المالية والإدارية.ممثلون صاعدون
ما رأيك بأداء الممثلين الجدد في «حبيبي اللدود»؟ما دمت أنا اخترتهم وتحمّلت مسؤوليتهم يعني أنني مقتنعة بهم تماماً. مرّنتهم وتوّليت إدارتهم. أحبّ بعض الناس أداءهم وبعض آخر لم يتقبّله. للأسف، يطلق الناس دائماً حكماً مسبقاً تجاه الأمور، لذا ما إن رؤوا وجوهاً تمثيلية جديدة حتى انتقدوا وحكموا عليها بسوء التمثيل، وذلك لأنهم استغربوها فلم يتعاطفوا معها، بل انقلبوا عليها، علماً بأن هؤلاء الممثلين ذوو خبرة وأدوّا بطولات سابقاً إنما ليسوا نجوماً. جوانا حدّاد فحسب تطلّ للمرة الأولى على الشاشة.انطلق جميع الممثلين من إطلالة أولى قبل النجومية والشهرة.صراحة 75 % من نجوم لبنان انطلقوا من نصوصي، مثل يوسف الخال، ونادين الراسي، وبيتر سمعان، وإيميه صيّاح، كذلك كارمن لبّس التي كانت لديها تجارب سابقة إنما انطلقت عبر «ابنة المعلّم».كوميديا وأداء
لم لست غزيرة في الكتابة أسوة بكتّاب آخرين؟أستغرب كثيراً هذه الغزارة لديهم في الكتابة، فأنا أتأنّى جداً وأتفرّغ كلياً للعمل الذي قد يستغرق وقتاً طويلاً إنما أدقق كثيراً في النص وأعيش مع تفاصيل الشخصيات فيكون السياق الدرامي بطبيعة الحال منطقياً أكثر. تكتبين مسلسلات كوميدية بمستوى الأعمال الدرامية، فما رأيك بغياب الكوميديا عن الشاشات أو تغييبها؟أولاً، كتابة الكوميديا أصعب من الدراما بأشواط، ورغم ذلك نُفاجأ بأن نصها أرخص من النص الدرامي، فتتعامل المحطات معها بسخافة. ثمة أزمة نصوص كوميدية عالمياً. لهذه الأسباب اعتزلت كتابة الكوميديا لأنها تتطلب مجهوداً أكبر من التقدير الذي تحظى به.بالحديث عن أزمة النصوص، يعبّر ممثلون عن سخطهم تجاه ركاكة بعضها فيرفضون العروض، ما رأيك؟عندما تكون 90 % من نصوص المسلسلات المعروضة مقتبسة أو مترجمة عن أعمال مكسيكية أو فنزويلية، تصوّر بطبيعة الحال بعيدة عن مجتمعنا غير معبّرة عن مشاكلنا. ما يحصل هو استسهال بعض المنتجين لهذا الأمر، فيسلّمون أي كاتب ناشئ نصّاً ما للترجمة فيصبح في النهاية زميلي. أليس مجتمعنا منبعاً غزيراً للقصص الدرامية؟الكتابة الدرامية من أصعب الفنون، لأننا نبتكر شخصيات فنحدد مصيرها ومسارها ونهايتها.هل تستخدمين حسّك التمثيلي لاختيار شخصيات يطمح أي ممثل في أدائها؟أحببت كممثلة، أداء كل شخصيات مسلسلاتي، ولهذا السبب يتمتع الممثلون بتجسيد الشخصيات التي أكتبها ويتعلقون بها. تقدّرين أكثر المجهود الذي يبذله الممثلون أيضاً.أتفهّم تعب الممثل في أثناء التصوير وجهده في التعبير بأحاسيسه، فهو يعاني تعباً نفسياً وجسدياً وفكرياً في آن، لذا أقدّر كثيراً ظروف عمله.خبرة في إيقاع التلفزيون
حول التغيير الذي تحقق في نصها منذ «عصر الحريم» إلى «حبيبي اللدود»، تقول منى طايع: «على رغم أنه ليس المسلسل الأول الذي يُعرض لي فإن «عصر الحريم» أول مسلسل درامي أكتبه على مقاعد الدراسة الجامعية. حينما قررنا عرضه، غيّرت بعض التفاصيل فحسب، خصوصاً أنه مع مرور الوقت نكسب خبرة في إيقاع التلفزيون ومتطلباته، كذلك نكتسب عمقاً إنسانياً واجتماعياً، ونزيد خبرة على صعيد الكتابة الدرامية».