حسمت المحكمة الدستورية أمس النزاع حول سلامة المادة 16 من قانون اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، والتي تربط مسألة إسقاط عضوية النواب بتصويت المجلس، حتى إذا صدرت بحقهم أحكام جنائية باتة أو بفقد أهليتهم، وقضت بعدم دستورية المادة لمخالفتها أحكام المادة 82 من الدستور.

وأكدت المحكمة، برئاسة المستشار يوسف المطاوعة، في حيثيات حكمها، بعد تقريرها بزوال المادة 16 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، وإعمال الآثار المترتبة على ذلك، أن المادة 16 تجعل من الأحكام القضائية الباتة رهينة بإرادة مجلس الأمة، مما يعد ذلك تدخلا سافرا من السلطة التشريعية في أعمال السلطة القضائية، ومساسا بأحكامها وإهدارا لحجية الاحكام وإخلالا بمبدأ الفصل بين السلطات.

Ad

واضافت ان على المجلس بعد زوال المادة 16 من اللائحة الداخلية تطبيق أحكام المادة 84 من الدستور، التي تؤكد انه في حال خلو المقعد يتم انتخاب عضو بديل دون تراخ أو إبطاء أو ترخص أو تقدير نزولا على حكم الدستورية.

ويرتب حكم المحكمة الدستورية الصادر أمس إعلان المجلس فقد عضوية النائبين جمعان الحربش ووليد الطبطبائي، والذي سبق للمجلس أن رفض إسقاط عضويتهما، نفاذا لحكم محكمة الجنايات بإدانتهما بعقوبة جنائية، التي تمنع استمرار عضويتهما في المجلس، إلا أن آثار الحكم سترتب بعد إعلان فقد عضوية النائبين الدعوة الى إجراء انتخابات تكميلية بقرار يصدر من وزير الداخلية في الدائرتين الثانية والثالثة.

واكدت المحكمة عدم جواز تدخل النائبين جمعان الحربش ووليد الطبطبائي في الخصومة بالطعن بعدم دستورية نص المادة 16 من اللائحة الداخلية، وذلك لأن الخصومة في الطعن المرفوع بطريق الادعاء الأصلي المباشر -وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- هي خصومة عينية موجهة الى النص التشريعي المطعون فيه بعدم الدستورية، مناطها اختصام ذلك النص في ذاته استهدافا لمراقبته والتحقق من مدى موافقته للدستور.

وأضافت أن الطعن بهذه المثابة -وبحسب طبيعته الخاصة- ليس طعنا بين خصوم، ولكنه طعن ضد النص التشريعي المطعون عليه، ومن ثم لا يتصور لا واقعا ولا قانونا جواز التدخل اختصاميا أو انضماميا في ذلك الطعن، أو أن تستجيب المحكمة لطلب إدخال أي خصم فيه ليصدر الحكم في مواجهته، باعتبار أن الأحكام الصادرة عن هذه المحكمة لها حجية مطلقة في مواجهة الكافة، وملزمة لجميع سلطات الدولة.

وذكرت انه استكمالا لما تقدم وتنفيذا لحكم المادة 117 من الدستور، الذي قضى بأن يضع مجلس الأمة لائحته الداخلية متضمنة نظام سير العمل في المجلس ولجانه وأصول المناقشة والتصويت والسؤال والاستجواب وسائر الصلاحيات المنصوص عليها في الدستور، وذلك أخذا بما جاء في دساتير مقارنة أخرى من أن يترك للمجلس النيابي وضع لائحته الداخلية، صدر القانون رقم 12 لسنة 1963 بشأن اللائحة الداخلية للمجلس، وذلك على نحو ما اتبعته دول عديدة اخرى من جعل اللائحة قانونا وتطبيقه حتى يكون للسلطة التنفيذية من الشأن في امور اللائحة ما لها من الشأن في أمور القوانين الاخرى.

واردفت: «وبالتالي فإن إشعار الحكومة ومجلس الامة -باعتبارهما من ذوي الشأن ومعنيين معا وعلى نحو متلازم بالقانون المطعون عليه- بورود الطعن الماثل وبتاريخ موعد الاجتماع ومكانه لنظره، وذلك للوقوف على ما عسى أن يبدي من رأي فيه، ليس من شأن قيام المحكمة بهذا الإجراء أن يغير من طبيعة الطعن، أو أن يستفاد من ذلك إدخال أي طرف فيه أو إتاحة المجال لما قد يثور بمناسبته من دفوع وطلبات، إذ لا يتصور أن يكون للطعن الماثل على ما سلف بيانه خصوم يتنازعون او اطراف يتعددون».

واوضحت ان رقابة الدستور التي تباشرها هذه المحكمة يقف مجالها عند حد التحقق من مدى موافقة التشريع المطعون عليه لأحكام الدستور، وهي رقابة لها طبيعة قانونية لا جدال فيها، وبالتالي لا يسوغ -كأصل عام- التحدي بأن التشريع الذي تراقب المحكمة دستوريته -مهما بلغت اهميته وأبعاده وآثاره- له قوة الدستور ولا يجوز نقضه.

ولفتت الى ان الحاصل ان الدستور لم يسبغ على اي قانون الصفة الدستورية سوى على القانون الخاص بأحكام توارث الامارة، حيث نص الدستور صراحة في المادة 4 منه على أن يكون له صفة دستورية لا يجوز تعديله إلا بالطريقة المقررة لتعديل الدستور، ولو اراد الدستور إسباغ تلك الصفة على أي قانون آخر ما أعوزه النص على ذلك صراحة.

واستدركت: «ولا وجه للقول من بعد بإطلاق عبارة (له قوة الدستور) على أي تشريع آخر، إذ إن من شأن ذلك أن يفرغ رقابة الدستورية من مضمونها، ويجردها من كل معنى، وهو أمر لا يستقيم -في فهم القانون- القول به، فجهة الرقابة على الشرعية الدستورية لا تتخلى عن مسؤوليتها، ملتزمة بأداء وظيفتها القضائية التي اولاها اياها الدستور، باعتبارها الحارسة على أحكامه تدعيما لسيادة وعلو الدستور بوصفه المعبر عن إرادة الامة على من عداه، ضمانا لصون الدستور والحفاظ على كيانه، وبالتالي فإنه لا مجال للقول بان اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الصادرة بالقانون رقم 12 لسنة 1963 لها قوة الدستور أو أنها عصية على الخضوع لرقابة هذه المحكمة من حيث اتساقها أو مخالفتها للدستور، وجدير بالإشارة في هذا المقام الى انه قد سبق لهذه المحكمة النظر في طعن أقيم أمامها حول مدى دستورية نص في تلك اللائحة، وذلك بناء على طلب من مجلس الأمة.

ولفتت المحكمة الى أن فصل السلطات من القواعد الأولية للدستور، لذا فقد رسم لكل سلطة من السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية حدود اختصاصها ووظائفها وصلاحياتها، بما يحقق توزان السلطات توازنا لا يتيح لأحد مكنة استيعاب الآخرين، ولم يجعل أي سلطة منها تعلو على الأخرى، وجميع هذه السلطات خاضعة للدستور، ولا يجوز لها بالتالي الخروج على أحكامه، والدستور إنما قصد من هذا المبدأ ألا يعطي حقوق سلطة لسلطة أخرى، ولم يرد أن تعطل سلطة، سلطة أخرى في القيام بواجبها ومباشرة اختصاصها.

وبينت المحكمة ان ما يصدره مجلس الأمة من قرارات وما يتخذه من إجراءات يعد من الأعمال البرلمانية التي لا تتسم بالصفة التشريعية، وتنحسر عنها رقابة هذه المحكمة دون نزاع، كما انه مما لا نزاع فيه أيضا أن لهذه المحكمة كل الحق في بسط رقابتها الدستورية على أي نص تشريعي دون أن يحجبها عن ذلك أي إجراء أو عمل في ممارسة اختصاصها المستمد -أصلا- من الدستور، فمثل ذلك الإجراء أو العمل لا يأبه لآثاره ولا يحول بين المحكمة وممارسة دورها في صيانة أحكام الدستور ونصوصه.

وقالت الدستورية إن المادة 82 من الدستور تنص على أن «يشترط في عضو مجلس الأمة:

1- أن يكون كويتي الجنسية بصفة أصلية وفقا للقانون.

2- أن تتوافر فيه شروط الناخب وفقا لقانون الانتخاب.

3- ألا تقل سنه يوم الانتخاب عن ثلاثين سنة ميلادية.

4- أن يجيد قراءة اللغة العربية وكتابتها.

وتنص المادة 16 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الصادرة بالقانون رقم 12 لسنة 1963 على أنه» اذا فقد العضو احد الشروط المنصوص عليها في المادة 82 من الدستور او في قانون الانتخاب أو فقد اهليته المدنية، سواء عرض له ذلك بعد انتخابه أو لم يعلم الا بعد الانتخاب أحال الرئيس الأمر الى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية لبحثه، وعلى اللجنة أن تستدعي العضو المذكور لسماع أقواله اذا أمكن ذلك، على أن تقدم تقريرها في الأمر خلال أسبوعين على الاكثر من إحالته اليها.

ولا يكون إسقاط العضوية إلا بموافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس باستثناء العضو المعروض أمره، ويكون التصويت في هذه الحالة بالمناداة بالاسم، ويجوز للمجلس أن يقرر جعل التصويت سريا.

إجراءات معيّنة

وأوضحت المحكمة أن مبنى نعي الطاعن على المادة سالفة الذكر أنها قد انطوت على شمول حكمها لجميع حالات فقدان عضو المجلس لأحد الشروط التي ينبغي توافرها في عضو مجلس الأمة، والمنصوص عليها في المادة 82 من الدستور، وإخضاعها لإجراءات معيّنة وأغلبية خاصة لإسقاط عضويته، بما فيها حالة من فقد شرطا من شروط العضوية كأثر حتمي لحكم قضائي بات، بحيث جعلت هذا الأمر رهينا بمشيئة المجلس، وتقديره في إسقاط عضويته، مما يعد ذلك تدخلا من السلطة التشريعية في أعمال السلطة القضائية، وإخلالا بمبدأ فصل السلطات بالمخالفة لنص المادتين 60 و163 من الدستور، فضلا عن انطواء ذلك على تمييز غير جائز ومنهي عنه من الناحية الدستورية، إذ جعلت تلك المادة عضو المجلس بمنأى عن إعمال اثر الإحكام القضائية الباتة عليها، وتميزه عن غيره من المواطنين بالمخالفة للمادة 29 من الدستور، كما أضفت عليه حصانة في غير موضعها تعصمه من الخضوع للقانون، وهو ما يصم المادة المطعون علها بعيب عدم الدستورية.

الحصانة ليست امتيازاً

وقالت: كما نص الدستور في المادة 29 منه على أن الناس سواء أمام القانون، فلا فرق بين النائب بمجلس الأمة وغير النائب، بمعنى أنه ليس للنائب من الحقوق أكثر مما لأي كويتي آخر في الخضوع للقانون، ووجوب أن يأخذ القانون مجراه الطبيعي بالنسبة للناس جميعاً على السواء - بدون تمييز - ولا يجوز إضفاء حصانة على النائب تفضي الى إخراجه من سلطة القانون، إذ ان الأصل في الحصانة البرلمانية أنها لا تعد امتيازا لعضو البرلمان، وإنما هي مقررة للمصلحة العامة، وليست لمصلحة عضو المجلس الشخصية، وانه يتعين أن تبقى الحصانة في الحدود والقيود التي من شأنها كفالة استقلال البرلمان وحرية أعضائه في القيام بواجباتهم داخل المجلس، وهم في مأمن من كيد خصومهم السياسيين، وأن تكون السلطة التشريعية بمنأى عن أي احتمال لاعتداء من جانب السلطة التنفيذية، وليست الحصانة مقررة لمواجهة الأحكام القضائية، كما أنه لا ينبغى أن يذهب البرلمان في استقلاله الى حد التغول على اختصاصات بقية السلطات الأخرى في الدولة، أو تتحول الحصانة الى وسيلة لعضو البرلمان لخرق القانون، وهو في مأمن من المحاكمة أو الحساب أو الإفلات من العقاب، إذ تقتصر على حماية عضو البرلمان من اتخاذ أي إجراءات جنائية تعسفية أو كيدية في مواجهته، فهي لا تعدو أن تكون مانعا إجرائيا مؤقتا، وليس المقصود بالحصانة البرلمانية أن تكون امتيازا ممنوحا لعضو البرلمان، هادما مبدأ المساواة امام القانون.

عدم دستورية

وبينت أن عبارات نص المادة المطعون عليها بصياغتها قد جاءت عامة ومطلقة بشمول حكمها لجميع حالات فقدان عضو المجلس لأحد الشروط التي ينبغي توافرها في عضو مجلس الأمة، والمنصوص عليها في المادة 82 من الدستور، والتي ترتب فقدان إحداها فقد العضوية، وذلك بما فيها حالة من فقد (شرطاً) من شروط العضوية كأثر حتمي لحكم قضائي بات، على الرغم من انه ينعدم - أصلا- على المجلس أي تقدير في هذا الشأن، بعد أن أضحى عضو المجلس غير أهل لعضوية مجلس الأمة بقوة الدستور، وصار مفتقدا لشروط من الشروط اللازم استمرارها في عضو مجلس الأمة وفقا للمادة 82 من الدستور، وأفضى ذلك إلى افتقاده العضوية في مجلس الأمة مباشرة دون الحاجة إلى اتخاذ أي إجراء آخر، وهو ما يصم المادة المطعون عليها- والتي أعطت الحق لمجلس الأمة في تقدير أمر إسقاط العضوية من عدمه- بعيب عدم الدستورية، لانطوائها على تدخل سافر من السلطة التشريعية في أعمال السلطة القضائية، والمساس باستقلالها، واهدار لحجية الأحكام القضائية، والنيل من مكانتها والاحترام الواجب كفالته لها، باعتبارها عنوانا للحقيقة، وتعطيلا لآثارها، مما يتنافى مع مبدأ فصل السلطات، ويمثّل خرقاً لأحكام الدستور لمخالفته المادتين 50 و163 منه، فضلا عن أن في استمرار عضوية النائب وفقا للمادة المطعون بعدم دستوريتها، على الرغم من صدور حكم بعقوبة جناية في حقه، واستمرار تمتعه بحقوقه السياسية، في حين أنه قد أضحى محروما قانونا منها بموجب هذا الحكم، يعد- في حد ذاته- تمييزاً غير مقبول، ومنهي عنه من الناحية الدستورية، إذ جعلت تلك المادة عضو المجلس بمنأى عن إعمال أثر الأحكام القضائية الباتة عليه، وتميزه عن غيره من المواطنين، بالمخالفة للمادة 29 من الدستور، كما أضفت عليها حصانة - في غير موضعها- تعصمه من الخضوع للقانون.

وختمت المحكمة حكمها بأنه إذ كانت المادة المطعون عليها بعدم الدستورية بصيغتها والإجراءات التي أوردتها قد خالفت المادة 82 من الدستور على نحو ما سلف، كما خالفت صريح المادة 82 منه، والتي تقضي انه في حالة خلو محل أحد أعضاء مجلس الأمة قبل نهاية مدته لأي سبب من الأسباب انتخب بدله في خلال الأجل المضروب كإجراء حتمي لا خيار فيه، فإنه يتعين القضاء بعدم دستورية المادة 16 المطعون عليها، واعتبارها كأن لم تكن، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها إنفاذ حكم المادة 84 من الدستور لزوما، دون أي تراخ أو إبطاء أو ترخص أو تقدير، نزولاً على حكم الدستور.

... وترفض دعوى موظف بـ «التأمينات»

أكدت المحكمة الدستورية عدم قبول الدعوى المقامة من أحد المواطنين العاملين بالمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، التي يطالب فيها بالحكم بعدم دستورية إحدى المواد التي تسمح للمدير العام باستثناء بعض العاملين من الدرجات.

وقالت إن طلبات الطاعن بشأن الترقية لأقدميته من المسائل التي يقتضي بها قضاء المحكمة الإدارية.

ولفتت "الدستورية" الى أن "ما تضمنه نص المادتين الطعون فيهما من القرار رقم 6 لسنة 2016 المشار اليه من استثناء بعض الوظائف من أحكام القرار يكون التعيين فيها بقرار من المدير العام مباشرة، وأن يكون للمدير العام الاستثناء من كل أو بعض أحكام هذا القرار، بعد أخذ رأي لجنة شؤون العاملين في كل حالة على حدة، ليس من شأنه - في حد ذاته - أن يحجب القضاء الإداري عن مباشرة اختصاصه في الفصل بالنزاع، إذ يخضع ما يصدر من قرارات في هذا الشأن لرقابة "الإدارية"، في إطار مبدأ المشروعية للتحقق من أنها قد استمدت من عناصر صحيحة تؤدي الى النتيجة التي انتهت اليها، وأنها غير مشوبة بإساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها، ومن ثم يكون مردّ الأمر في حقيقته هو كيفية تطبيق الاستثناء المشار اليه، توصلا لبيان مدى مشروعية القرارات الصادرة بناء عليه، وهو ما يخرج عن رقابة هذه المحكمة، ويقع في دائرة عمل محكمة الموضوع، ويكون النعي على ما تضمنه نص المادتين من الإخلال بمبدأ المساواة الذي كفله الدستور هو أمر يخرج عن نطاق المنازعة الموضوعية المطروحة عليها.