هناك مقولة قديمة كانت تستخدم للإشارة إلى وجود فراغ في السلطة أو القيادة في أوروبا، تقول "عندما أريد الكلام مع أوروبا، مع من أتكلم؟"... هذه العبارة أصبحت تنطبق الآن بشدة على الغرب أو الديمقراطيات الغربية الغنية كلها، على ضفتي الأطلسي، سواء في أميركا الشمالية أو في غرب أوروبا، حسبما يقترح تقرير موسع نشرته "بلومبرغ".

Ad

أزمات وانقسامات

ويشير التقرير إلى أن هذه الدول تعاني، كما هو واضح الآن، مما يمكن اعتباره "فراغا في القيادة"، ففي الولايات المتحدة يتزايد الانقسام الداخلي حول سياسات الرئيس دونالد ترامب، وكذلك داخل الطبقة الحاكمة حول طبيعة الدور الأميركي في العالم.

وفي ألمانيا يستعد المشهد السياسي لخروج المستشارة المخضرمة أنجيلا ميركل، وسط تصاعد شعبية اليمن المتشدد، ووصوله إلى البوندستاغ (البرلمان) للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، بينما يعاني الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي طرح نفسه كنموذج شاب لليبرالية الديمقراطية، انتفاضة اجتماعية ضد سياساته الاقتصادية، في وقت يسود الغموض العلاقات بين اوروبا وبريطانيا، وتبدو رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي أقرب ما تكون إلى "البطة العرجاء".

لا قيادة

ونقلت "بلومبرغ" عن أندريس فوغ راسموسين، رئيس وزراء الدنمارك السابق، الذي تولى منصب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) من 2009 إلى 2014، قوله إنه لا توجد قيادة حاليا في أوروبا، ولا قيادة من الولايات المتحدة، الأمر الذي يثير التساؤل عما إذا كان "الغرب" مازال كيانا له معنى، كما انه يعطي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره الصيني شي جينبينغ مساحة للمناورة على المسرح الدولي.

الاختيار الروسي

وكان التعامل الغربي المتخاذل مع حادثة بحر أزوف الشهر الماضي، عندما أطلقت القوات الروسية النار على 3 سفن حربية أوكرانية، واستولت عليها أثناء مرورها في البحر نحو الموانئ الأوكرانية، نموذجا واضحا للتداعيات الممكنة لأزمة فراغ القيادة الحالية في الغرب.

ويرى راسموسين أن بوتين قد يكون اختبر بهذه الخطوة صلابة الغرب وإصراره، وإذا كان الأمر كذلك فإن الغرب يكون قد فشل في الاختبار الروسي، إذ لم تتحرك السفن الغربية لتأكيد حرية الملاحة الدولية في هذا الممر المائي، كما فعلت من قبل لتحدي المحاولات الصينية لفرض سيادتها بالقوة على المياه الإقليمية في بحر الصين الجنوبي.

شكوك حول مفهوم الغرب

وتقول كلير سبنسر، كبيرة الاستشاريين في شؤون الشرق الأوسط بمعهد أبحاث "تشاتام هاوس" البريطاني، "لا أعتقد أن الغرب كمفهوم مازال قائما"، واصفة العملية التي بدأت قبل انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة في نوفمبر 2016 بأنها عملية انتقالية مؤلمة في مختلف أنحاء العالم، نتج عنها الانقسام بين الولايات المتحدة وأوروبا حول إيران، والانقسام بين دول الخليج العربي حول كيفية الرد على الإسلام السياسي، وبين تركيا وحلفائها الغربيين التقليديين حول الموضوع الكردي وغيره من الموضوعات الإقليمية.

النظام العالمي

وظهرت الفوضى نتيجة الابتعاد عن النظام العالمي الذي ظل قائما لسنوات على أساس وجود الغرب، والحقيقة أن القيم والرؤى المشتركة التي ظلت لعقود تميز العلاقات بين الدول الغربية وتعززها، سواء بالنسبة إلى قضايا التجارة العالمية أو البيئة أو الديمقراطية وسيادة القانون والعلاقات متعددة الأطراف، لم تعد قائمة كما كان الأمر من قبل.

العالم يتحول

وتقول كادري لييك، الباحثة السياسية في "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية"، إن "الغرب يتغير بالتأكيد، إنه يمر بمرحلة تحول، كما هو الحال في بقية مناطق العالم"، مشيرة إلى التحول الديموغرافي والتكنولوجي وتوزيع الثروات، وقالت إن هذا ليس سيئا لأن الغرب تمدد بالفعل.

وتختم لييك حديثها بالقول إن "أوروبا والولايات المتحدة وحلفاءهما في آسيا مازالوا يتعاونون في مجالات عدة، لأن لهم مصالح مشتركة، لكن الأمر لم يعد كما كان بالنسبة للغرب في الثمانينيات والتسعينيات"، مضيفة: "في النهاية كيف يمكن أن ينتهي ذلك؟".