السودان: احتجاجات الغلاء تشتعل... و«طوارئ» في عطبرة

المهدي يطالب أنصاره بالتظاهر ويحشد لوثيقة تشكيل حكومة قومية توافقية... بعد ساعات من عودته

نشر في 21-12-2018
آخر تحديث 21-12-2018 | 00:04
المهدي محاطاً بأنصاره لدى وصوله إلى الخرطوم مساء أمس الأول (رويترز)
المهدي محاطاً بأنصاره لدى وصوله إلى الخرطوم مساء أمس الأول (رويترز)
اندلعت احتجاجات واسعة على تردي الأوضاع المعيشية في السودان، وأضرم محتجون النار في مقر للحزب الحاكم بعطبرة، مما أجبر السلطات على إعلان حالة الطوارئ فيها، في حين دعا زعيم المعارضة الصادق المهدي بعد ساعات من عودته إلى البلاد إلى التظاهر مطالباً بتشكيل حكومة «وفاق قومية».
لليوم الثاني على التوالي، اندلعت احتجاجات عنيفة في مدينة عطبرة، إحدى أكبر مدن السودان، ضد غلاء المعيشة وندرة سلع أساسية أمس.

وأضرم محتجون النار أمس الأول في مقر حزب المؤتمر الحاكم في عطبرة التي تمثّل نقطة ارتباط شمال البلاد بشرقها.

وتصدت قوات مكافحة الشغب للمحتجين ومنعتهم من الوصول إلى مبان محلية أخرى.

واضطرت السلطات السودانية إلى فرض حظر للتجول بعطبرة من السادسة مساء بالتوقيت المحلي إلى السادسة صباحا، وأمرت بغلق المدارس إلى أجل غير مسمى للسيطرة على الوضع المضطرب.

احتجاجات متفرقة

وجاءت الاحتجاجات العنيفة بالتزامن مع احتجاجات أخرى بعدة مناطق ضد تردي الأوضاع المعيشية، وارتفع سعر الخبز في الآونة الأخيرة، مع توقعات بارتفاعه أكثر بسبب الرفع المتوقع للدعم الحكومي.

وانطلقت التظاهرات في عطبرة ومدينة النهود في ولاية شمال كردفان وبورتسودان، التي وصلها الرئيس عمر البشير لحضور تدريب عسكري جوي.

وفي بورتسودان عاصمة ولاية البحر الأحمر، الميناء الرئيسي للسودان المطل على البحر الأحمر، خرج مئات المواطنين في احتجاجات عارمة أمس تنديدا بالغلاء، وذلك على إثر صدور قرار من لجنة مراقبة الخبز في بورتسودان برفع سعر الخبز زنة 75 غراما لثلاثة جنيهات، على أن يتم تسليم الخبز المدعوم زنة 70 غراماً للمدارس والداخليات بسعر جنيه للقطعة.

وشارك في تظاهرات بوتسودان طلاب من المرحلة الثانوية والجامعة داخل سوق المدينة وأحيائها.

وفرقت الشرطة المحتجين باستخدام الغاز المسيل للدموع. وقال شهود إن المحتجين نددوا بغلاء المعيشة وطالبوا بـ "إسقاط النظام".

وأغلقت المحال التجارية في بورتسودان الساحلية أبوابها بسوق المدينة، في ظل انتشار كثيف لقوات الأمن بعدد من المناطق.

وسادت حالة من الترقب الحذر بعدة مدن بعد أحداث عطبرة التي توجد بها رئاسة سكك حديد السودان، وأهم وأكبر منشآتها الصناعية والإدارية. كما شهدت مهد انطلاق الحركة النقابية في البلاد.

وتشهد المدن السودانية منذ ثلاثة أسابيع شحاً في الخبر اضطُر المواطنين إلى الانتظار ساعات أمام المخابز.

زعزعة الأمن

من جهته، قال المتحدث باسم حزب "المؤتمر"، إبراهيم الصديق إن أجهزة الأمن التزمت بدرجة عالية من ضبط النفس في تعاملها مع "الاحتجاجات العنيفة".

وأضاف الصديق، عبر "فيسبوك"، إن من حق أي مواطن التعبير عن رأيه سلميا، ولكن ما جرى في عطبرة لا يتسق مع مفهوم السلمية. ووصف الاحتجاجات التي شهدتها المدينة بأنها محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار. وهاجم "فئة محدودة لجأت إلى أعمال حرق ونهب بتدبير من حزب عقائدي عجوز"، في إشارة على ما يبدو إلى حزب الأمة الذي يتزعمه الصادق المهدي.

تطمين حكومي

وجاء اشتعال الاضطرابات رغم تأكيد رئيس الوزراء، معتز موسى، أن الدعم الحكومي لن يرفع مرة واحدة، وأن العائلات ذات الدخل المحدود ستبقى تشتري حاجياتها بأسعار مخفضة.

وقال موسى، في مؤتمر أمس الأول، إن ميزانية بلاده لعام 2019 تشمل مخصصات للدعم بقيمة 66 مليار جنيه سوداني، (1.4 مليار دولار)، منها 53 مليارا للخبز والوقود.

وأضاف أن الوقود يُباع في السودان بعُشر تكلفته الفعلية، بينما تدفع الحكومة 90 بالمئة من قيمته في صورة دعم مباشر.

وأشار رئيس الوزراء إلى أن الحكومة تدفع 36 مليون دولار أسبوعيا لدعم الوقود و35 مليون جنيه سوداني لدعم الخبز يوميا.

وأردف قائلا: "لن يكون هناك رفع دعم، ولكن ستكون هناك سياسات جديدة لتوجيه الدعم للمستحقين، فلا يمكن أن ندعم المقتدرين ماليا".

وتزيد الحكومة معروضها النقدي من أجل تمويل عجز الميزانية، مما يتسبب في ارتفاع معدلات التضخم وتراجع قيمة العملة المحلية.

وتضرر السودان بشدة حينما انفصل الجنوب في عام 2011، وهو ما أدى إلى فقدانه ثلاثة أرباع إنتاجه النفطي، المصدر المهم للنقد الأجنبي.

خطاب جماهيري

وتزامنت تلك التطورات مع عودة رئيس حزب الأمة القومي المعارض، الصادق المهدي، رئيس وزراء السودان الأسبق، بعد غياب قارب العام للعاصمة الخرطوم.

وعاد المهدي إلى السودان أمس الأول، وكان في استقباله رئيس القطاع السياسي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، عبدالرحمن الحضر، قبل توجهه إلى أم درمان، غربي الخرطوم، لمخاطبة أنصاره.

ووسط استقبال حاشد من منسوبي حزبه علا الهتاف للمطالبة باتخاذ الحزب موقف التظاهر كخيار لتغيبر الأوضاع الاقتصادية.

لكن المهدي دعا، في أول خطاب جماهيري له، إلى تشكيل حكومة قومية برئاسة توافقية لحل أزمات البلاد الاقتصادية والسياسية.

وأشار إلى أن الحكومة القومية مهمتها الالتزام بقومية الحكم والتصدي للحالة الراهنة من التخلف.

وطالب المهدي بـ "حشد التأييد الشعبي على صيغة تتضمن التزام جميع الأطراف بوقف إطلاق النار والعدائيات، وتسهيل الإغاثة الإنسانية، وإطلاق سراح المحبوسين والأسرى، وكفالة الحريات العامة بضوابط لتنظيم ممارستها".

وكشف عن الإعداد لمذكرة تسلّم لرئاسة الجمهورية دون تحديد موعد لذلك، بعد التوقيع عليها من جميع مكونات الشعب.

وحث المهدي المواطنين على الاحتجاج دون تخريب الممتلكات العامة، ودون عنف، مؤكدا أن التعبير السلمي حق دستوري وإنساني.

ولم تتضح بشكل فوري الأسباب وراء عودة رئيس الوزراء السابق الذي تنقل بين عدة دول حين كان في المنفى من بينها مصر وبريطانيا.

وفي أبريل نقل الإعلام السوداني أن مدعي عام الدولة اتهم المهدي بالتآمر للإطاحة بالبشير، بعد لقاء في باريس للمعارض السوداني مع أحد زعماء المتمردين.

back to top