ليس غريباً أن يفاجئ دونالد ترامب الأميركيين والعالم كله بـ"تغريدة" جديدة أعلن فيها أنه قرر سحب القوات الأميركية من سورية، لأنه تم القضاء على "داعش"، وهذا رحّب به الروس والإيرانيون، وعارضه أميركيون كثيرون، وأدى إلى ارتباك العديد من دول هذه المنطقة، والمتوقع أن الجدل بشأنه سيستمر إلى أن يتم إجراء الانتخابات الأميركية، لأنه يرتبط بها أولاً وأخيراً!ولعل ما يجب الإشارة إليه في البداية هو أن هذا الانسحاب سيكون نقل القوات التي تقرر سحبها إلى منطقة القائم على الحدود السورية – العراقية، وأنها ستبقى في حالة استنفار قصوى لتعود إلى الأراضي السورية التي انسحبت منها، إذا اقتضى أي مستجد عسكري، والمعروف أن هذا حدث في مرات سابقة كثيرة، إن في هذه المنطقة وإن في مناطق أخرى.
إن كل ما أراده ترامب بالنسبة لهذه "المسرحية" الجديدة هو التأكيد لناخبيه عشية الانتخابات المقبلة القريبة، والتي غدت على الأبواب، أنه صادق بوعده، ولم يخلّ به، وكل هذا، وإن ليس أغلب الظن بل المؤكد، أنه بعد هذه الانتخابات، وفوراً، سيعيد كل شيء إلى ما كان عليه، وهذا إن لم يطرأ ما سيجعله مجبراً على إعادتها إلى مواقعها السابقة، وإذا لم يلزمه الرافضون لهذا القرار بالتراجع عنه، وكما حصل في مرة سابقة وفي سورية نفسها.لا يمكن تصديق أن ترامب، الذي أعلن حرباً متعددة الأشكال على إيران، من بينها، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية، التلويح بالقوة العسكرية، والذي كان ندد بالوجود الإيراني على الأراضي السورية، جاد في هذا القرار الآنف الذكر، وأنه سيعطي الإيرانيين والروس انتصاراً رخيصاً، وسيترك هذه المنطقة الاستراتيجية، وخاصة في هذه الفترة الخطيرة، التي بات يهتز فيها العالم من أقصاه إلى أقصاه، لهؤلاء الذين بقوا ينتظرون هذه اللحظة منذ سنوات.هناك الآن صراع بالبحر الأسود في أوكرانيا والقرم، تشكل روسيا الاتحادية طرفاً رئيسياً فيه، وهناك أيضاً حالة عدم استقرار في أوروبا الشرقية، التي كانت كل دولها ملحقة بالاتحاد السوفياتي قبل انهياره، وأيضاً هناك الأطماع المتعددة في شمالي البحر الأبيض المتوسط وشرقه، وهذا يجعل مراكز القرارات الصعبة بالولايات المتحدة رافضة السماح للرئيس ترامب بأن يتخذ مثل هذا القرار، الذي هو بالتأكيد مجرد مناورة انتخابية... وهي في الحقيقة مناورة مكشوفة حتى للروس والإيرانيين.
أخر كلام
قرار ترامب مناورة مكشوفة!
21-12-2018