ألقى الموقف المزلزل للرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعلانه الانسحاب العسكري من سورية بظلاله أمس على الساحة الدولية، التي انشغلت بالحديث عن التداعيات المحتملة للقرار الذي خلط كل الأوراق، وخصوصاً بعدما تبين أنه يشمل وقف الضربات الجوية على تنظيم داعش، مما يعني عملياً انتهاء التحالف الدولي الذي شُكّل لدحر التنظيم. وأثار قرار ترامب رفضاً أوروبياً حازماً، وتعهداً بمواصلة المعركة رغم الشكوك التي تحيط بقدرة أوروبا على ذلك، مع قدراتها العسكرية المحدودة في خوض عملية كهذه.
وشددت باريس على أنها، وشركاء التحالف الدولي، دخلت في محادثات لتحديد جدول وشروط انسحاب القوات الأميركية، مؤكدة أن الحرب في سورية لم تنتهِ، وقواتها باقية حتى القضاء بشكل قاطع على آخر جيوب «داعش».وبينما عبّرت برلين عن دهشتها من التغير المفاجئ للمسار الأميركي في سورية، وخطورته على المعركة مع الإرهاب، أكدت وزارة الخارجية البريطانية أن «التنظيم لم يُهزم بعد، ولا يزال هناك الكثير من العمل»، مبينة أن المملكة المتحدة ستبقى «منخرطة في التحالف الدولي وحملته لحرمان التنظيم من السيطرة على أراضٍ، وضمان هزيمته القاطعة».وألغى مبعوث الولايات المتحدة الخاص لسورية جيم جيفري اجتماعات في الأمم المتحدة لبحث الوضع في سورية، بينما قال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي للصحافيين: «سنظل نعمل مع أعضاء التحالف الدولي، ومنهم واشنطن، على هزيمة تنظيم داعش تماماً، ومن أجل استقرار سورية والعراق».
ووسط تحذيرات من انفلات الأوضاع واندلاع حروب جديدة، ومخاوف من انطلاق سباق على ملء الفراغ، غالباً لمصلحة روسيا وحلفائها، دافع ترامب عن إعلانه، مؤكداً أنه جاء وفاءً بتعهد قطعه خلال حملته الانتخابية.وقال ترامب، الذي انتقده الجمهوريون والديمقراطيون على السواء بسبب وضعه جميع الحلفاء في موقف محرج، إن «روسيا وإيران وسورية وآخرون هم العدو المحلي لداعش، ونحن نؤدي عملهم، وحان الوقت لأن يحاربوا هم ونعود نحن إلى الوطن».وفي إسرائيل، تعهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتصعيد المعركة ضد إيران وحلفائها، مشدداً على أن «التحرك سيتواصل بنشاط قوي ضد مساعي طهران لترسيخ وجودها في سورية، بتأييد ودعم كاملين من الولايات المتحدة».وعلى الجانب الآخر، اتفق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى حد بعيد مع ترامب على أن تنظيم داعش انهزم، مؤكداً أن الرئيس الأميركي اتخذ القرار الصائب، رغم تشكيكه في قيام القوات الأميركية بالانسحاب الكامل من سورية على غرار وعودها في أفغانستان.وإذ أعلن الرئيسان التركي رجب طيب إردوغان والإيراني حسن روحاني توحيد جهودهما لإنهاء الصراعات بالمنطقة، والحفاظ على وحدة أراضي سورية واستتباب الأمن فيها، برز أمس تهديد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار بأنه «سيدفن الوحدات الكردية، في الخنادق التي يحفرونها»، وسيعمل بشكل مكثف لمنع انتشارها، وخصوصاً في مدينة منبج والمنطقة الواقعة شرق الفرات.وفي واشنطن، قالت مصادر إن وزير الدفاع جيم ماتيس قد يرحل قبل نهاية العام، بعدما تجاهل الرئيس نصائحه بعدم المضي في قرار الانسحاب.وتتحدث أوساط أميركية عن أن قرار ترامب هو «صفقة» مع نظيره التركي إردوغان، مضيفة أن سيد البيت الأبيض قرر معالجة ملف العلاقة مع تركيا عبر تسليمها أوراقاً عدة، مما يسمح لها بحرية حركة، وبهامش مناورة أكبر، في حين يتمسك هو بتحقيق وعوده الانتخابية بالانسحاب من سورية.