بعد أن تعرض حزب المؤتمر الهندي الرئيسي المعارض لهزيمة في الانتخابات العامة في سنة 2014 على يد حزب بهاراتيا جاناتا بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي بدأ رحلة هبوط طويلة في الميدان السياسي تجلت في انكماش عدد مقاعده في البرلمان من 206 مقاعد الى 44 وهي نسبة لا تكفي حتى لتأهيله لقيادة معارضة بصورة رسمية، وفي ولاية بعد اخرى بدا أن حزب المؤتمر غير قادر – وفي أغلب الأحيان غير راغب – في ايقاف تقدم حزب بهاراتيا جاناتا الانتخابي.وبحلول منتصف سنة 2018 كان حزب المؤتمر يسيطر مع حلفائه على ثلاث حكومات ولايات فقط فيما شهد حزب بهاراتيا جاناتا ارتفاعاً في عدد الولايات التي يسيطر عليها الى 20 ولاية. ثم أصبح وريث حزب المؤتمر راهول غاندي عرضة لحملات نقد وتقريع من جانب مختلف الأطراف وبصورة طويلة تماثل طول رحلاته الى الخارج التي لم يكن لها أي تفسير أو مبرر.
ولكن هذا الحزب المشتت عاد الى الساحة السياسية في الأسبوع الماضي بعد انتصارات غير متوقعة في ثلاثة انتخابات ولائية في شمال البلاد، وهي آخر استطلاعات تسبق الانتخابات العامة في الربيع المقبل. ومن خلال الفوز في ولايات تشاهيتسغاره وماديرا برادش وراجاستان – التي تشكل مجتمعة 14 في المئة من عدد سكان الهند و12 في المئة من عدد مقاعد البرلمان تمكن حزب المؤتمر من توجيه ضربة الى حزب بهاراتيا جاناتا في باحته الخلفية.ومن أصل 519 مقعداً في ثلاث ولايات فاز حزب بهاراتيا جاناتا بأكثر من 70 في المئة من كل الانتخابات في سنة 2013، ولكن الطاولة انقلبت في هذه المرة حيث فاز حزب المؤتمر في تشاهيتسغاره بثلاثة أرباع الأكثرية، وفي ماديرا برادش وراجاستان حصل حزب المؤتمر على أكثرية طفيفة على الرغم من أنه كان في حاجة الى مساعدة في ماديرا برادش من جانب قلة من أحزاب صغيرة. وفي الفترة التي تسبق تلك الانتخابات نجمت هذه الحصيلة بقدر كبير عن «كرب» المناطق الريفية المتصاعد الناجم عن تدني أسعار السلع وركود الدخل وديون المزارعين هناك. وتظهر المعلومات المتوافرة من الانتخابات بوضوح – كما أشار نيلانجان سيركار – أن ذلك على وجه التحديد هو ما تشكله الطبقات العاملة على شكل حصة واسعة من عدد السكان الذين يرفضون حزب بهاراتيا جاناتا. وأضاف المزيد من الألم لذلك الحزب أن حزب المؤتمر كسب بشكل حاسم أصوات سكان المناطق الريفية التي كانت في العادة من نصيب حزب بهاراتيا جاناتا. وعلى سبيل المثال فإن حزب المؤتمر فاز في تشاهيتسغاره بـ 45 في المئة من المقاعد الريفية و25 في المئة فقط في انتخابات المناطق الحضرية في الانتخابات التي جرت في عام 2013، وبعد خمس سنوات كسب حزب المؤتمر 75 مقعداً في الفئتين المذكورتين.وتبرز الاضطرابات المستمرة في المناطق الريفية خسائر حزب بهاراتيا جاناتا في الداخل الهندي عندما تجرى الانتخابات العامة في ربيع عام 2019، لأن هذه الولايات تهيمن عليها الطبقة الريفية وتوجد تعليمات سياسة محددة تستطيع الحكومة من خلالها تحقيق تحسن في دخل المزارعين أو توفير وظائف عالية الأجر قبل الأشهر الستة المقبلة. وكما لاحظت تحليلات صحيفة انديان اكسبرس فإن حكومة مودي تستحق علامات عالية بسبب تنفيذ مشاريع أشغال عامة مثل الطرقات ولكن الحكومة لم تتمكن من تحقيق نمو في الدخل وربما ألحقت الضرر بهذا الهدف من خلال الضرائب الجديدة على البضائع والخدمات.وكان عجز حكومة مودي عن معالجة ضعف الأداء الاقتصادي – الذي دعا اليه رئيس الوزراء في حملته الانتخابية في سنة 2014 عندما بشر المواطنين الهنود بقرب قدوم «الأوقات الطيبة» في الاقتصاد – قد أضعف بقدر أكبر موقف حزب بهاراتيا جاناتا في الانتخابات، وبدلاً من ذلك عمل الحزب على مكافحة الفساد وتحسين شبكة الأمان الاجتماعية وتطبيق سياسة مؤيدة للهندوسية، ولا تكمن المشكلة في أن الناخبين لا يقدرون هذه التغييرات بل في أنها لم تضع الطعام على الطاولة.وتعرض حزب بهاراتيا جاناتا أيضاً الى خسائر كبيرة في أوساط الداليتس والقبائل وهما شريحتا أقلية تشكلان معاً حوالي ربع سكان الهند وليس في وسع الحزب تنفيرهما، وكانتا الى جانب بهاراتيا جاناتا في الانتخابات السابقة. وفي أوساط الولايات الشمالية خسر الحزب ما بين 120 الى 180 مقعداً تعود الى هذه المجتمعات.وحتى قبل نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة التي جرت في الأسبوع الماضي كانت الحصيلة السهلة المتوقعة لحزب بهاراتيا جاناتا في انتخابات العام المقبل قد تحولت الى نزاع عنيف، وعلى الرغم من تنفيذ الحزب لمشاريع بارزة في الميادين الاقتصادية والتنظيمية فإن حكومة مودي فشلت في تحقيق نمو ثابت يفضي الى خلق وظائف في البلاد.
المعارضة الممزقة
بدأت المعارضة الممزقة تظهر اشارات على العمل معاً لانقاذ وضعها، وفي سلسلة من الانتخابات الفرعية الرئيسية وضعت أحزاب المعارضة خلافاتها جانباً وتوحدت من أجل الحاق الهزيمة بحزب بهاراتيا جاناتا وتمكن حزب المؤتمر في شهر مايو الماضي من التوصل الى تحالف مع حزب اقليمي أصغر في ولاية كارناتاكا الجنوبية بهدف احتواء حزب بهاراتيا جاناتا.وقبل عام واحد فقط تسلم راهول غاندي رسمياً رئاسة حزب المؤتمر خلفاً لأمه سونيا غاندي بعد سنوات من التكهن حول امكانية اقدامه على تلك الخطوة. وفيما تبدو جاذبية غاندي أضعف من تلك التي يتمتع بها مودي أظهر قدرة أكبر على التماسك والجهد والفعالية منذ تسلمه منصب رئاسة حزب المؤتمر. واضافة الى ذلك فإن رئاسة الحكومة في الهند هي سلاح ذو حدين: وبخلاف الحال في الكثير من الديمقراطيات المتقدمة يمكن أن يتعرض أعضاء البرلمان الى الطرد بقدر يفوق استمرارهم في المنصب.مصير الحزب الحاكم
وتظهر انتخابات الولاية أن الحزب الحاكم عرضة للتغير بصورة مثيرة للدهشة، وقد تركز فوز حزب بهاراتيا جاناتا في انتخابات عام 2014 الى حد كبير على المناطق الشمالية من البلاد ويأتي ثلاثة أرباع المقاعد البرلمانية لهذا الحزب من 8 ولايات فقط في ذلك الجزء بما في ذلك الولايات الثلاث التي خسر السلطة فيها – وإذا تكررت النتائج خلال ستة أشهر فإن حزب بهاراتيا جاناتا يمكن أن يفقد 27 مقعداً في ذلك الحزام الهندوسي من الولايات وحده.في غضون ذلك أعرب الكثير من أحزاب المعارضة الاقليمية عن القلق ازاء قدرة حزب المؤتمر على مواجهة حزب بهاراتيا جاناتا بصورة فعالة ضد أي ائتلاف معارض في العام المقبل، وبالنسبة الى الوقت الراهن تبددت تلك الشكوك – ومع تقدم مفاوضات التحالف نحو انتخابات سسنة 2019 سوف تزيد تلك الأحزاب الضغط مع اللاعبين الاقليميين، كما أنها تظهر أن راهول غاندي يمكن أن يقود الجانب الفائز وهو أمر موضع شك حتى بالنسبة الى الأوساط الداخلية في الحزب. وفي الحزام الهندوسي خاض غاندي حملة عنيفة ولكنه سمح لزعماء اقليميين بابراز صورتهم – وهو تحول لافت في حزب كان يتردد في النظر الى عناصر من خارج عشيرته الحاكمة.ويشعر حلفاء حزب بهاراتيا جاناتا بتململ متزايد أيضاً، وفي وقت سابق من هذه السنة خرج حليف اقليمي رئيسي يحكم ولاية أندرا برادش من الائتلاف الحاكم بعد رفض مطالبه المتعلقة بتحويلات مالية أكبر، وفي الأسبوع الماضي استقال أيضاً زعماء في ولاية بيهار من الحكومة وانسحبوا من ائتلاف بهاراتيا جاناتا قائلين إن أولوية الحكومة لا تتركز على العمل من أجل الفقراء والمضطهدين بل لتشويه صورة الخصوم السياسيين بشكل أو بآخر.وبعد الاعلان عن نتائج انتخابات الولايات كتب المؤرخ الهندي راماشاندرا غيوها في تغريدة يقول إن «القانون الوحيد في السياسة الهندية هو عدم وجود مثل ذلك القانون». واللافت أن المتنافسين يصبحون أصدقاء بين عشية وضحاها، وقد أصبحت فكرة هيمنة الاقتصاد سائدة في شتى مجتمعات العالم الديمقراطية فلماذا لاتطبق في الهند؟