أزمة في الأفق مع دخول الجزائر مرحلة الانتخابات

رغم أنه كان من المقرر الشروع رسمياً في الحملة الانتخابية قبل شهرين، ستجري الجزائر انتخاباتها الرئاسية في أبريل 2019، ولكن استقالة زعيم حزب مهيمن في 14 نوفمبر أثارت المخاوف من مأزق سياسي وشيك، وعلاوة على ذلك، فإنه مهما كان من يتقلّد منصب الرئاسة فسيواجه حالة اقتصادية صعبة، وتهديدات مستمرة من شبكات إرهابية في ليبيا ومالي، وسخطاً اجتماعياً متنامياً بين شباب الجزائر العاطل عن العمل والغاضب. وقد يؤدي التقاء هذه الظروف إلى زعزعة الاستقرار إلى حد كبير، لاسيّما إذا بقيت المظالم المحلية بدون حلّ، وفي نهاية المطاف، ستكون الطريقة التي تجري بها الانتخابات - ومدى قبول نتائجها - محورية لمستقبل الجزائر.

هل سيستمر في منصبه أم سيتخلى عنه؟

منذ نالت الجزائر استقلالها عام 1962، كان من المفهوم عموماً أن السلطة السياسية تكمن في مثلثٍ لتقاسم السلطة بين الرئاسة والجيش ورجال الأعمال الموالين للنظام - والمعروفين باسم "لو بوفوار" (السلطة)، وبالتالي، يجب على المرشحين المحتملين التأكد من أن الشخصيات العسكرية الرئيسة والفصائل الحاكمة الأخرى تدعم سعيهم قبل الترشح للانتخابات.

منذ أوائل عام 2000، عزّز الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة منصبه بشكل مطرد للحد من النفوذ السياسي للجيش، وخلال فترتي ولايته الثانية والثالثة، أشرف على الانتقال من نظام "الأهرامات المتنافسة" (كما وصفها أحد المنافذ الإعلامية المحلية) إلى هرم واحد يهيمن عليه حزبان، هما "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي". ويحافظ الحزبان على السلطة في البرلمان بقبضة محكمة من أجل المساعدة على حماية النظام مع تأمين الولاء والدعم بين الدوائر الأساسية الضرورية لضمان الهدوء الاجتماعي. ومع ذلك، فإن الاستقالة المفاجئة لرئيس "جبهة التحرير الوطني" جمال ولد عباس الشهر الماضي، بطلب من بوتفليقة كما يُفترض، قد أثارت تساؤلات حول ديناميكيات تقاسم السلطة هذه، فقد كان يُنظر إلى عباس على أنه مؤيد قوي لإعادة انتخاب الرئيس، ومن المرجح أن تعكس إقالته محاولة بوتفليقة لتغيير المشهد السياسي قبل عملية التصويت.

وعادة كان الإجماع على هيكل السلطة التقليدي في الجزائر كافياً للتوصل إلى ترتيبات سياسية تقدم مرشحين توافقيين، ولكن هذا الإجماع انهار خلال فترات معينة في الماضي، مما أدى إلى انعدام الاستقرار وحدوث تقلبات، وكان هذا هو الحال في تجربة ما بعد التعددية الحزبية عام 1988، ويبدو أن الأمر كذلك حالياً مع استعداد الجزائر لحقبة ما بعد بوتفليقة.

منذ عام 2013، عانى الزعيم البالغ من العمر 81 عاماً مشاكل صحية، من بينها جلطة دماغية، حدّت منذ ذلك الحين من ظهوره العلني ومنعته من مخاطبة الناس، ورغم حالته الصحية السيئة، يبدو أنه يستعد لولاية خامسة، وهو الدافع المفترض وراء قرارٍ صدر أواخر سبتمبر يقضي بالاستعاضة عن 26 حاكماً من حكّام الولايات. وبما أن الحكّام في الجزائر يملكون قوة كبيرة في العملية الانتخابية، فقد اعتُبرت هذه الخطوة بمثابة تمهيد للترشح من جديد، وبالمثل، ذكر عباس في 28 أكتوبر أن "جميع كوادر «جبهة التحرير الوطني» ونشطائهم في أنحاء البلاد طالبوا بترشيح بوتفليقة".

وعلى الرغم من أن التغيير الدستوري في عام 2008 قد ألغى الحد الأقصى لعدد الولايات الرئاسية، الأمر الذي مهّد الطريق أمام شَغل بوتفليقة لهذا المنصب مدى الحياة، إلا أن التعديلات التي صدرت عام 2016 عكست هذه الخطوة ليقتصر الحد الأقصى على ولايتين. ومع ذلك، بما أنّ الحد الأقصى الجديد لم يُطبّق بأثر رجعي، فلن يواجه بوتفليقة أي عقبات قانونية أمام ترشحه للمرة الخامسة. فالسيناريو الأكثر احتمالاً هو أنه سيرضخ لدعوات الأحزاب الحاكمة وسيترشح مرة أخرى. وفي كلتا الحالتين، من المتوقع صدور إعلان بهذا الشأن في فبراير.

بغض النظر عمن سيتولى الرئاسة، تواجه القيادة الجديدة في الجزائر مجموعة من التحديات، وأكثرها إلحاحاً هي القضايا الاقتصادية والأمنية. فعلى الصعيد الاقتصادي، أدّى الانحدار الحاد في عائدات النفط والغاز والتباطؤ في القطاع الصناعي إلى إرغام الجزائر على تنفيذ تدابير التقشف في الوقت الذي زادت فيه الضرائب - وهما سياستان أثرتا سلباً على المواطنين ذوي الدخل المتوسط، ويقدّر أن 12 في المئة من الشباب المتعلمين ما زالوا عاطلين عن العمل، وأن معدل التضخم الذي بلغ العام الماضي 5.5 في المئة دفع "البنك الدولي" إلى التحذير من أن 10 في المئة من السكان قد يعودون إلى حالة الفقر.

وبالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن ﺗﺴﺘﻤﺮ التفاوتات الإقليمية، مع احتمال إطالة الدورة السنوية للاحتجاجات التي تحدث منذ عام 2011 ﺣﻮل أﻣﻮر مثل إمكان الحصول على السكن، ومعارضة التكسير الهيدروليكي، ومرتبات الموظفين المدنيين، وما من شكّ في أن السخط الاجتماعي المُتصاعد الناجم عن تجميد الإنفاق الحكومي، وتدفّقات رأس المال المحدودة، وارتفاع مستويات البطالة بين الشباب سيحتلّ مركز الصدارة في الانتخابات المقبلة.

وعلاوةً على ذلك، أدى الفراغ الأمني في البلدان المجاورة، ولا سيّما في ليبيا ومالي، إلى نشوء تهديداتٍ بالغة، فمع انتشار المنظمات المتطرّفة المرتبطة بتنظيمي «القاعدة» وداعش برزت منطقة الساحل على طول الجناح الجنوبي للجزائر باعتبارها "قوس تهديد" كما وصفها مشروع "المنارة" في دراسة صدرت في أكتوبر، فمنذ أزمة احتجاز الرهائن الهائلة التي حدثت في منشأة "تيقنتورين" للغاز الطبيعي في يناير 2013، وهي عملية هجوم نفّذها تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، أصبحت الجزائر هدفاً ذا أولوية قصوى للمنظمات الإرهابية. فأكثر الأخطار إلحاحاً هو تطور التشدد الإسلامي وتهريب الأسلحة والاتجار بالبشر، وفي الوقت نفسه، أصبحت كل من ليبيا ومالي ملاذاً آمناً للإرهابيين وجماعات الجريمة المنظمة، مما يسهّل الراديكالية والتطرّف في المنطقة، كما تشكّل كل هذه المشاكل عبئاً ثقيلاً على الجيش الجزائري، الذي يُنظر إليه عموماً على أنه من أكثر القوات تنظيماً وقدرة في المنطقة.

وفي نهاية المطاف، يستدعي الوضع الأمني الهش، المقرون بانعدام الاستقرار السياسي وضعف الحكم والتهديدات العابرة للحدود الوطنية الجديدة، أن يتكيّف الجيش الجزائري معه بصورةٍ مستمرة. وفي حين من المرجح أن تستمرّ الجماعات المتشدّدة في استغلال الفراغ الأمني الإقليمي، فإنّ الحاجة إلى تطبيق مقاربة أمنية جديدة تجاه المنطقة يجب أن تبقى من أولويات صانعي السياسة في الجزائر، وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون هذه التحديات في قلب المناقشات والقرارات في الانتخابات المقبلة، بغضّ النظر عن كيفية معالجة الرئيس القادم لمشكلة الأمن القومي هذه.

تداعيات على السياسة الأميركية

برغم أن الجزائر تحاشت تقليدياً إقامة علاقة قوية مع الولايات المتحدة، فإن العلاقات الثنائية نمت في السنوات الأخيرة بسبب المصالح المشتركة في احتواء انتشار الشبكات الإرهابية عبر شمال ووسط إفريقيا، وبقدر ما برزت الجزائر كشريك لمكافحة الإرهاب، فإن من مصلحة الولايات المتحدة أن تشهد عملية انتقالية سلسة للسلطة، حتى لو كانت واشنطن تتمتع بقدرة محدودة على التأثير على نتائج عملية الانتقال تلك.

وفي حال أسفرت الانتخابات إما عن عدم استقرار خطير أو فتح غير متوقع للعلاقات، قد يبحث المسؤولون الأميركيون عن سبلٍ لتحسين وضعهم وتوسيع نطاق مشاركتهم. في الوقت نفسه، إذا حثّت واشنطن الفصائل المعنية على ضبط النفس في ما يتعلق بالخلافة، يمكن أن يساعد ذلك على تهدئة التوترات. وبالمثل، فإن الإشارة إلى وجود رغبة أكبر في دعم الشباب الجزائريين النشيطين في العملية السياسية من شأنها أن تُنشئ نقاشاً جاداً، قد يؤدي بدوره إلى تأثير ضئيل بل حقيقي على الحملات الانتخابية والتصويت اللاحق. وأخيراً، فإن التشاور مع شريحة واسعة من الشباب الجزائريين النشيطين في منظمات المجتمع المدني أو دعوة عدد قليل من البرلمانيين لزيارة الولايات المتحدة يشير إلى أن واشنطن تنوي تعزيز العلاقة الثنائية حتى لو كانت الجزائر تسير نحو مرحلة ضبابية.