إذا كان هناك من يستحق الاهتمام بقضيته فهو الشاب المدعو عبودكا، الذي مارس حقه. أما مسألة الأعضاء الذين يريدون الاحتفاظ بحصانتهم وعضويتهم بالمجلس، رغم عدم قدرتهم على ممارسة مهامهم، بسبب وجودهم في الخارج، فهي تأتي لاحقاً، فحريات الأفراد العاديين أولى بالرعاية والاهتمام من النواب والسياسيين، الذين تتقلب مبادئهم ومواقفهم حسب الأمزجة والخصوم.إنسان تكلّم من خلال وسيلة تواصل اجتماعي، وقال كلاماً لا يعجبك أو رأياً لا يناسبك، فلا تتابعه ولا تشتكي عليه، فلست مجبراً على مراقبة الناس والتشكي عليهم إذا تلفظوا بكلمات لا ترقى لمستوى أخلاقك العالية، وتذكر أن عادات وتقاليد بيتكم الكريم ليست قانوناً عاماً، وقبل أن تحاسبه على كلامه حاسب نفسك على متابعته، ومن الأفضل لك أن تحتفظ بشهوتك لإصلاح المجتمع لنفسك وتبدأ بها، فالأسهل لك بدلاً من ملاحقة الناس لإثبات سمو أخلاقك الابتعاد عنهم، ولتعتبر نفسك كأنك كنت في مجلس قيل فيه ما لا يعجبك، فلن تخرج وتشتكي على الموجودين به، لأنك ستعتبر مجنوناً حينها، لكنك ستتوقف ببساطة عن زيارته مرة أخرى.
أما مطالبة السادة نواب "الأستانة" في جوهرها، رغم ادعاءات تفريغ الدستور والمواقف المتناقضة منذ أيام خلف دميثير، فهي دعوة للتمييز بين الناخب والنائب، بحيث إذا ما صدر بحقك كمواطن حكم جنائي فلابد أن تنفذه شئت أم أبيت، أما إذا كنت عضو مجلس أمة وسرقت أو نصبت نصباً عقارياً أو واقعت أنثى بالحيلة، فمن حقك التمترس خلف حصانتك والتمسك بعضويتك، رغم سقوط شروط توافرها، وتتوكل على الله بعدها وترفع شعارات العدالة والمساواة والحريات، وبقية الحزمة من الكلمات الكبيرة المحفوظة من دون فهم.المشكلة ليست فيما قاله عبودكا، المشكلة بكثرة عدد المحامين في البلد، فسياسة التعليم العالي والابتعاث، إن كان هناك سياسة أساساً، لم تكن تتوافق مع متطلبات سوق العمل، فزاد عدد خريجي الحقوق عن الحاجة الفعلية، حتى تحولت مهنتهم لمهنة من لا مهنة له، ومن لا مهنة له يحتاج إلى دعاية وشهرة وعمل للشعور بالأهمية والقيمة، ولذلك زادت مثل هذه القضايا في السنوات الأخيرة. والمشكلة الأخرى ليست بحكم المحكمة الدستورية، بل بالحزبي المؤدلَج الذي يحاول دائماً أن يلوي عنق ما تعلّمه لمصلحة أفكاره ومصالح حزبه، لا العكس، فلا فائدة ترجى بعدها من علمه وشهادته والدكتوراه التي حصل عليها، والجهل عندئذ قد يكون أنفع وأصدق.
أخر كلام
نقطة: عبودكا والإخوان وقصص أخرى
22-12-2018