هل تقبلون أن تُستباحوا؟
![مصطفى البرغوثي](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1564897822016822100/1564897879000/1280x960.jpg)
هذا ما حدث لقاسم العباسي وزملائه بالقرب من مدينة البيرة قبل يومين. وتخيلوا امرأة مسنة، في السبعينيات، تقود سيارتها ببطء وهي تتوجه لزيارة ابنتها المريضة، تفاجأ بجنود الاحتلال يقفزون أمامها، فترتبك، فيطلق جنود الاحتلال الذين لا تتجاوز أعمار كل منهم العشرين عاما، النار عليها فيردونها قتيلة، دون أن تكون قد فعلت شيئا، أو آذت إنساناً في حياتها.هذا ما حدث للشهيدة ثروت الشعراوي في مدينة الخليل قبل ثلاثة أعوام. وتخيلوا معي فتاة يافعة لم تكمل عامها العشرين، مفعمة بحب الحياة والعطاء تتطوع كمسعفة مع جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية في غزة، وتملأ المحيط دفئاً بعنايتها المميزة بالجرحى، لا تعبأ بالإرهاق أو التعب، ولا تبحث إلا عن سعادة إنسان تضمد جراحه لتفاجأ برصاصة غادرة من جندي إسرائيلي تخترق صدرها وترديها قتيلة.إنها الشهيدة رزان النجار. هناك ما لا يقل عن ستمئة وأربعين حاجزاً عسكرياً، ثابتاً ومتنقلاً، تقطع أوصال شوارع وطرق الضفة الغربية من شمالها إلى جنوبها، وكل واحد من هذه الحواجز يمكن أن يتحول إلى مسرح لعملية قتل إجرامية جديدة ضد فلسطيني أو فلسطينية. ولا تمر ليلة دون أن تقتحم مدرعات وجنود الاحتلال المدن والقرى الفلسطينية ليفاجأ المواطنون بها في شوارعهم وأمام بيوتهم، و لا أحد يحميهم منها، ومن كان حظه سيئاً فسيصبح قتيلاً جديداً برصاصهم دون أن يقترف شيئاً.هذا غير عشرات العائلات التي تُستباح بيوتها كل ليلة، أثناء عمليات المداهمة والاعتقال التي يقوم بها جيش الاحتلال. ولا توجد بقعة في قطاع غزة المحاصر آمنة من قصف طائرات أو مدفعية أو سفن الاحتلال، أو رصاص الجنود المنتشرين على التلال والحدود. ما يقوم به الاحتلال ليس سوى استباحة وحشية للشعب الفلسطيني، ولحياة أبنائه وبناته، ولا يمثل إلا استهانة واستخفافاً بحياة البشر، فقط لأنهم فلسطينيون. ولا أمان لأحد، ما لم نتكاتف، ونتعاون ونتوحد، في مواجهة منظومة الاحتلال والتمييز العنصري التي استفحلت فاشيتها، ولن تردع إلا بإلغاء حصانتها، وإخضاعها للمحاسبة والمقاطعة. لا أظن أن أحداً يقبل أن تُستباح حياة ابنه أو ابنته أو أمه أو أبيه، فهل نتكاتف في مواجهة هذا الظلم؟* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية