ضمن فعاليات الدورة الـ19 من مهرجان الكويت المسرحي، قدمت فرقة سينك للإنتاج الفني والمسرحي مسرحية "حقيبة الذكريات"، تأليف وإخراج د. بدر القلاف، وتمثيل مجموعة من الشباب المميزين.وتدور أحداث العمل حول رجل يستجر ذكرياته، ويؤنب نفسه عما فعل في حياته، وتسبب في أن يعيش ما تبقى من أيامه وحيدا في وقت لا ينفع فيه الندم، يحاكم نفسه تارة ويحاكمه صوت الضمير وعقله الباطن من خلال شخصيات اخرى مرت عليه تارة أخرى.
رفع الستار عن رجل عجوز غزا الشيب شعره، وألقى الزمن بظلاله على ملامحه، يجلس وحيدا في غرفة مظلمة محتضنا حقيبته ويسأل نفسه: لماذا أنا هنا؟ لماذا تقاعدت عن العمل؟ لماذا أنا وحيد؟ لماذا أنا كذلك؟ مجموعة من الأسئلة كانت بمنزلة المفاتيح لتفسير فكرة المسرحية التي تدور حول عجوز تدهور به الحال ليصبح وحيدا، يعبث بذكرياته ويستجر الواحدة تلو الاخرى، لعله يجد إجابة عن أسئلته المبعثرة.وينتقل بنا المؤلف إلى محطات عدة في حياة هذا الرجل، علاقاته بمن التقاهم يوما على سبيل المصادفة في الشارع، ومن ثم يستعرض كيف تم إقصاؤه من عمله وتملق زملائه له، ويسلط الكاتب الضوء على علاقة هذا العجوز بزوجته وأصدقاء السوء الذين كان لهم دور كبير فيما آل إليه حاله، رحلاته إلى دول عدة بذريعة العمل، بينما كان يهدر وقته غارقا في الملذات.الفكرة في مجملها ليست جديدة، وسبق أن طرحت في أعمال عالمية عدة، ولعل المختلف الذي جاء به القلاف أنه عربها وأدخل بعض التغييرات كصوت الضمير الذي كان يحاسب بطل عمله، والمتمثل في والديه وزوجته وظهورهم مع كل مشهد لتأنيبه، بينما يجرفه تيار الآثام إلى شفير الهاوية حتى سقط في بئر النسيان.واستطاع القلاف المخرج أن يتعامل مع النص بحرفية عالية، موظفا عناصره بمهارة، لاسيما التمثيل الذي بدا مدى اشتغاله على الممثلين، خصوصا بطل مسرحيته الذي كان ينتقل من حالة إلى أخرى بسلاسة.وهنا تبرز أهمية الممثل كواحد من أهم أدوات المخرج، لأنه دائما ما يصنع الفارق حتى وإن خذلت العناصر الأخرى رب العمل، الامر نفسه ينطبق على فريق العمل بشكل عام وتحركاتهم الواعية على المسرح.أما ثاني أدوات القلاف فكانت السينوغرافيا، بدءا من الديكورات التي كانت أقرب إلى براويز ضخمة معلقة على الحائط، وظفها في خروج بعض الشخصيات، مثل الأب والأم والزوجة، للمشاركة في الفعل الدرامي ومن ثم عودتهم أو الاكتفاء بظهورهم فقط في مشاهد عدة على الجانب الآخر من المسرح كانت تلك الظلال التي ترمز لذكريات البطل.ورغم أن المخرج القلاف عمد إلى إغراق المسرح في الظلام، والاعتماد على بقع إضاءة مرحلية تواكب المشاهد، فإنه لجأ في بعض الاوقات إلى إنارة المسرح بالكامل لإبراز بعض التفاصيل، بينما مزج القلاف بين العربية الفصحى وبعض المفردات العامية لإسقاط الحدث على المجتمع الكويتي، كذلك وظف أغنيات من لهجات أخرى، لتأكيد أن قضيته على تماس مع محيطها الخليجي والعربي.في رأي المشهد الأخير كان الأبرز إخراجيا عندما عمد القلاف الى تثبيت بطل العمل على مقعده مستخدما أشرطة الذكريات التي كانت في حقيبته ليؤكد أن هذا الرجل سيبقى مكبلا بذكرياته للأبد.التجربة في مجملها تستحق الاشادة، لاسيما أن القلاف مؤلف ومخرج ذهب الى منطقة اخرى، وطرح قضية اجتماعية، واستند إلى مجموعة من العناصر الشابة في مجال التمثيل ومختلف عناصر العمل المسرحي.
فريق العمل
يذكر أن مسرحية "حقيبة الذكريات" تأليف وإخراج د. بدر القلاف، وتمثيل: جراح مال الله، محمد بوشهري، فرح الحجلي، نورهان طالب، مشعل العيدان، ناصر حبيب، عبدالله الهويدي، موسى بارون، مشاري السعيدان، طلال المطيري، ومخرج منفذ عبدالعزيز الصراف، وتدقيق لغوي ومساعد مخرج فرح الحجلي، ومساعد مخرج بدر مطر.وتصميم الديكور محمد جواد الشطي، وتصميم الأزياء حصة العباد، ومكياج زينب المؤمن، وإشراف ديكور حسين بهبهاني، وتأليف وتوزيع الموسيقى التصويرية مبارك المبارك، وتصميم إضاءة محمد التويجري، وتصميم البوستر محمد المهنا، وتقنيات وخدع مسرحية حسن المطرود، ومتابعة وتنسيق منتظر الزاير، وإشراف عام محمد الشريدة.