لماذا لم يتطور العلم العربي؟
إذا كان المنهج التمجيدي، جاء كردة فعل على غلواء العلم الغربي، فإن المنهج الاستشراقي المغالي، أيضاً، يفتقد العلمية، لأنه يستند إلى فكرة تفوق العرق الغربي، لذلك ينبغي تجاوزهما إلى منهج موضوعي لتأريخ العلم العربي، وهو ما قام به د. عبدالحميد صبرة.
الذين أرخوا للعلم العربي كثر، أبرزهم الدكتور عبدالحميد صبرة، رحمه الله تعالى، فيلسوف ورائد العلم العربي، أستاذ تاريخ العلوم بجامعة هارفارد.. بين يدي كتاب قيم "فلسفة تاريخ العالم العربي: عبدالحميد صبرة رائداً"، للدكتور خالد قطب، وهو أفضل ما كُتِب عن هذا الرائد العظيم، أودّ أن أطلع القارئ العربي عليه.تأتي أهمية تاريخ العلم العربي، من أن الوعي به، يعد الخطوة الأولى لإعادة التأريخ للعلم العربي في الحضارة الإسلامية، ومن شأن هذا الوعي أن يجعلنا نقف على المشكلات النظرية والتطبيقية التي واجهت نمو وتطور وتقدم العلم العربي في الحضارة الإسلامية، وكذا الحلول التي أبدعها المجتمع العلمي لتلك المشكلات، كما يقول المؤلف في المقدمة. ويضيف أن أي تقدم علمي، قد تحقق في الماضي (في الفترة الزمنية الممتدة من القرن الثامن وحتى القرن الثاني عشر الميلاديين) فإنما كان ثمرة جهود مؤسسية اجتماعية كبيرة، لا نتيجة جهد فردي، هذا أولاً، وثانياً فإن هذا التقدم الذي تحقق لا ينفصل عن السياق المعرفي والثقافي والاجتماعي والسياسي والمؤسسي المواكب له.
يؤكد المؤلف أهمية إعادة النظر في مناهج التأريخ للعلم العربي، كضرورة فكرية وحضارية وواقعية ملحة لانتقال العرب من حالتهم المتردية، علمياً وثقافياً إلى حالة مستقبلية متقدمة، نحقق فيها نهضة وتقدماً على المستويات العلمية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، وذلك عبر المنهج الذي تبناه عبد الحميد صبرة في تأريخه للعلم العربي، والذي تميز بتجاوز منهجين سائدين في المؤلفات والدراسات العربية والغربية في تأريخ العلم العربي، هما:الأول- المنهج التمجيدي : وهو منهج وصفي يسرد إنجازات العرب العلمية، بطريقة إنشائية عاطفية انفعالية، منقطعاً عن السياقات المجتمعية التي أنتجتها، للتفاخر بإنجازات علماء العرب والمسلمين في شتى العلوم والمعارف، وأنهم سبقوا علماء الغرب، سبقوا دارون في نظرية التطور، ونيوتن في الجاذبية، وديكارت في انكسار الضوء، وهارفي في الدورة الدموية، كما سبقوهم في تطبيق المنهج التجريبي، كان هدف هذا الخطاب العاطفي إرضاء الذات المهزومة، وتعويض النقص في مواجهة الغرب المتفوق علمياً. غلبت النزعة التمجيدية على الكتابات التأريخية العربية، عبر إبراز أمجاد العرب العلمية في الحساب والجبر وعلم المثلثات والفلك والجغرافيا والطبيعيات والصيدلة والعلوم الإنسانية، والقول إن علماءنا أول من اهتدى إلى هذه العلوم، ومهدوا الطريق للنهضة الأوروبية، فلولا جهود علمائنا، ما حققت أوروبا نهضتها العلمية، لكن التحقيق العلمي يكشف أن هذه النزعة التفاخرية، ما هي إلا ردة فعل للمنهج الاستعلائي الغربي.الثاني- المنهج التهميشي : وهو المنهج الذي ساد في دراسات المستشرقين لتأريخ العلم العربي، المهمش للعلم العربي، وتنحيته عن تاريخ العلم العامة، منطلقاً من فكرة المركزية الأوروبية، التي تعلي من العقلية الغربية، وتُهمَّش العلم العربي، وترى التراث العلمي العربي، تراثاً لا عقلانياً، متخلفاً. إذا كان المنهج التمجيدي، جاء كردة فعل على غلواء العلم الغربي، فإن المنهج الاستشراقي المغالي، أيضاً، يفتقد العلمية، لأنه يستند إلى فكرة تفوق العرق الغربي، لذلك ينبغي تجاوزهما إلى منهج موضوعي لتأريخ العلم العربي، وهو ما قام به عبدالحميد صبرة.ختاماً : إذا كان العلم العربي حقق إنجازات علمية متقدمة، فلماذا توقف ذلك العلم؟!هناك 9 عوامل ذكرتها في مقال علوم الحضارة الإسلامية وعوامل تراجعها، أبرزها:1 - تفسير يذكره صبرة، بتحفظ، وهو أن أهداف العلم ارتبطت بخدمة الدين وشعائره، مثل : تحديد مواعيد الصلاة، وسمت القبلة، وإقامة المراصد لرصد الأهلة، ومسح الأراضي لأغراض الخراج والعشور، والحساب لمعرفة نظام المواريث، ومعرفة الموازين والمكاييل والقياس اللازمة لعمل المحتسب، فلما تحققت الأهداف ضعف النشاط العلمي. 2 - صعود تيارات دينية وسياسية أيديولوجية تعادي العلم والفلسفة باعتبارهما غزواً فكرياً يونانياً. 3 - أسباب سياسية وعسكرية : الغزو المغولي المدمر لعاصمة الخلافة بغداد 1285، انهيار الإمبراطورية العثمانية، اكتشاف العالم الجديد، انحسار سيادة العرب على الطرق التجارية بعد اكتشاف طريق الرجاء الصالح، شيوع الصراع المذهبي والطائفي. * كاتب قطري