هل فشلت خطة «البريكسيت»؟
إذا كانت نية بريطانيا هي الخروج من السوق الموحدة واتحاد الجمارك، والإبقاء فقط على اتفاقية التجارة الحرة مع أوروبا، فكان على الحكومة أن توضح أنها ستحتاج إلى "فترة تطبيق" خمس سنوات على الأقل للقيام بهذا بشكل منظم، على أن تلتزم خلالها بالقوانين الأوروبية، بما في ذلك دفعها 13 مليار يورو سنوياً للميزانية الأوروبية.
بدأت خطة رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، الخاصة بإخراج بلدها من الاتحاد الأوروبي تفشل بطريقة منظمة، ورغم أنها نجت من تصويت عدم الثقة، فمن المؤكد أن مجلس العموم البريطاني سيرفض، في يناير المقبل، اتفاق الانسحاب الذي ناقشته مع قادة الاتحاد الأوروبي، ومن أجل تفادي انسحاب عشوائي "بدون اتفاق" لبريطانيا، ستضطر حكومتها إلى طلب تمديد تاريخ خروج بلدها، أو سحب إعلان "نيتها المغادرة"، على الأقل بشكل مؤقت.وفي كلتا الحالتين، ستكون الخطوة التالية هي تنظيم استفتاء للمرة الثانية، يضم خيارا يسمى الخروج من البريكسيت، الذي من شأنه أن يعكس قرار 2016 بالخروج، ومازال بإمكان المصوتين دعم اتفاق ماي، واختيار اتفاق "على طريقة النرويج"، أو الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، لكن الانتخابات الأخيرة تظهر أن اختيار البقاء في الاتحاد الأوروبي هو الذي سيفوز بالحصة الكبرى من الأصوات.كيف وصلت دولة مضى 400 عام من حكمها الدستوري وثقافة التسوية السياسية إلى هذا المستوى؟
يشير معظم المُعَلِّقين إلى مشكلة الحدود الأيرلندية التي يبدو أنه غير قابل للتسوية، وبموجب اتفاق الجمعة العظيمة لعام 1998، التي وضعت حداً لعقود من الاشتباكات العنيفة بين البروتستانت والكاثوليكيين في شمال أيرلندا، وافقت بريطانيا على التنقل الحر للأشخاص، والبضائع وبعض الخدمات عبر الحدود مع جمهورية أيرلندا. وتم التوقيع على اتفاق الجمعة العظيمة، وهي معاهدة مُلزِمة لا تنص على أي حكم بالانسحاب، بناء على اعتقاد أن بريطانيا وأيرلندا ستظلان معاً في الاتحاد الأوروبي إلى ما لا نهاية. ويضم اتفاق ماي مع الاتحاد الأوروبي "حاجزا" من شأنه أن يمنع إعادة وضع حدود متينة بين أيرلندا الشمالية والجمهورية الأيرلندية في غياب اتفاق تجاري رسمي لما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والمشكل هو أن ما يزيد على 100 عضو في حزب ماي رفضوا الحاجز بشكل كلي، وسيصوتون ضد اتفاقها فقط بسبب هذا الحاجز، مما سيؤدي إلى فشله في مرحلة مبكرة.لكن الحقيقة هي أن الحاجز الأيرلندي مسألة جانبية، فحتى لو لم يكن هناك أي مشكل أيرلندي، فسيكون انسحاب بريطانيا بشكل منظم أمراً مستحيلاً في غضون مهلة السنتين التي منحت للمملكة المتحدة بموجب المادة 50 لمعاهدة لشبونة، وكما أشرت في أكتوبر الماضي فإن سلسلة الإمداد الصناعية مندمجة بعمق مع أوروبا القارية، إلى درجة أنها لن تتحمل الرسوم الجمركية المفاجئة وإجراءات المراقبة الأخرى على الحدود البريطانية، كما أن صناعات بريطانيا في مجال السيارات والطائرات وأدوات الدقة ستتعرض لضرر هائل.ومن المؤكد أن العديد من الدول خارج أوروبا تصَدر كميات كبيرة من البضائع الصناعية إلى الاتحاد الأوروبي، ولكن على خلاف البضائع البريطانية، تَعبر تلك البضائع حدود الاتحاد الأوروبي مرة واحدة، وسيسري نفس القانون على البضائع البريطانية بعد فصل بريطانيا من شبكة سلاسل الإمداد الأوروبية. ويمكن مقارنة هذه المهمة وحدها بإعادة بناء الدول في الفترة ما بعد الشيوعية بعد انهيار مجلس التعاون الاقتصادي (منطقة التجارة في العهد السوفياتي)، وإتمامها قد يستغرق خمس سنوات أو أكثر. وكان من المفروض أن تعقد حكومة ماي، بعد استفتاء 2016، جلسة نقاش بشأن الحُلة التي سيأخذها انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بدلاً من الاكتفاء بالقول أن "البريكسيت يعني البريكسيت"، وكانت سيناريوهات إمكانية بقاء بريطانيا في السوق الموحدة وفي الاتحاد الجمركي أو كليهما، اقتراحا من الاتحاد الأوروبي، وكان ينبغي على الحكومة أيضاً أن تفعل المزيد لإخبار مجتمعات الأعمال ببرامجها.وعلاوة على هذا، إذا كانت نية بريطانيا دائما هي الخروج من السوق الموحدة واتحاد الجمارك، والإبقاء فقط على اتفاقية التجارة الحرة مع أوروبا، فكان من المفروض أن توضح الحكومة أنها ستحتاج إلى "فترة تطبيق" لمدة خمس سنوات على الأقل للقيام بهذا بشكل منظم. وخلال هذه الفترة ستكون ملتزمة بالقوانين الأوروبية- بما في ذلك التزامها بدفع 13 مليار يورو (16.4 مليار دولار) سنوياً للميزانية الأوروبية، ولم يكن على ماي استحضار المادة 50 قبل اتخاذ كل هذه القرارات، ومناقشتها مع جميع الأحزاب ذات صلة والموافقة عليها على الأقل، بشكل عام. والسبب الوحيد وراء اتخاذ حكومة ماي أسلوباً معاكساً هو أن كبراء السياسيين والبيروقراطيين لم يدركوا مدى ارتباط الاقتصاد البريطاني بأوروبا، كما أنهم غير مكترثين إن كان الخروج السريع لبريطانيا وعقد اتفاقية التجارة الحرة أمرين مستحيلين من الجانب اللوجستيكي. لكن المشكل الأكبر هو أن اعتباراً متوازناً للخيارات الممكنة كان سيكشف الكذبة التي بُنيت عليها حملة "الانسحاب"، وكانت فكرة أن بريطانيا يمكنها تأمين "اتفاق موصى عليه" والحفاظ على دخولها إلى السوق الموحدة "دون احتكاك" ومواصلة عقد اتفاقيات التجارة في مكان آخر، حلماً يراودها.وخوفاً من العواقب السياسية التي ستنجم عن الاعتراف بهذه الحقيقة، اعتمدت ماي استراتيجية تفاوضية غير واقعية بشكل كلي، على أمل أن يتم " البريكسيت" قبل اكتشاف البريطانيين أنها مبادرة مغشوشة، واليوم، قبل ثلاثة أشهر فقط من تاريخ الانسحاب، بدأت هذه الخطوة الخادعة تنهار أمام أعين ماي، وهذا شيء منطقي.* جاسيك روستوسكي* شغل منصب وزير المالية في بولندا ونائب رئيس الوزراء في الفترة بين 2007 و2013.«بروجيكت سنديكيت، 2018» بالاتفاق مع «الجريدة»
انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشكل منظم سيكون مستحيلاً في غضون السنتين الممنوحتين لها بموجب المادة 50 لمعاهدة لشبونة