في ظل إدارة الرئيس الكذوب الفاجر دونالد جيه. ترامب، ينبغي للجميع أن يساورهم القلق بشأن نزاهة الإحصاءات الرسمية في أميركا، وينبغي لهم أن ينزعجوا بشأن أمور أخرى كثيرة في عهده، خصوصاً مصير الديمقراطية في الولايات المتحدة. ولكن في غياب بيانات رسمية جديرة بالثقة، يتضاءل أي احتمال للمساءلة الحقيقية، وبالتالي الديمقراطية.

لنتأمل هنا تقارير إدارة ترامب حول الفقر في الولايات المتحدة، ويبدو أن أرقام خط الأساس التي أنتجها مكتب الإحصاء في الولايات المتحدة سليمة (حتى الآن)، لكن الأمر لم يخل من فورة من التفسيرات الخاطئة، التي تتجاوز التلفيق الحزبي المعتاد.

Ad

يعشق المعلقون المنتمون إلى اليمين الاستشهاد بزعم رونالد ريغان عام 1988 أن الفقر انتصر في الحرب، التي أعلنها عليه ليندون جونسون عام 1964، والواقع أن هذا الزعم، الذي استخدم على نحو متواصل كهراوة لضرب شبكة الأمان الاجتماعي، التي جرى تمديدها في ظل إصلاحات «المجتمع العظيم» التي أقرها ليندون جونسون، تتسق مع تقديرات الفقر الرسمية، التي ظلت منهجيتها بلا تحديث منذ ستينيات القرن العشرين.

ولأن هذه المنهجية تتجاهل الضرائب (بما في ذلك الخصم الضريبي للدخل المكتسب)، وبرامج مثل طوابع الطعام (التي تسمى الآن برنامج مساعدات التغذية التكميلية)، فإن تأثيرها غير محتسب، بصرف النظر عن مدى نجاحها في الحد من العوز، ويدعو مثل هذا الخلل الإحصائي المعترف به على نطاق واسع المعلقين إلى سد الثغرة بتحيزاتهم، كما فعل ريغان.

في وقت أقرب إلى الزمن الحاضر، زعم مجلس المستشارين الاقتصاديين لإدارة ترامب، في تقرير صادر في يوليو يدعو إلى ربط متطلبات العمل بالفوائد الاجتماعية، أن الحرب على الفقر «انتهت إلى نجاح إلى حد كبير»، بفضل شبكة الأمان الأميركية، ويتوقف نجاح هذه الحجة على التخلي عن المقاييس التقليدية، التي تقيس الدخل، والتحول إلى الاستهلاك.

ربما يزعم بعض المراقبين أن الاستهلاك يفوق الدخل كمقياس للرفاهة، ولكن من غير الواضح كم من الأشخاص الأكثر فقراً ربما يشاركون في استبيان مرهق ومتطفل ومشهور بمعدل عدم استجابة يبلغ 40 في المئة، والأمر الأكثر إثارة للقلق هو «التصحيح» الاعتباطي في الأساس لمؤشر أسعار المستهلك، الذي يخفض خط الفقر حتى يتناقص عدد الناس تحته.

ربما لا يعبر مؤشر أسعار المستهلك الرسمي بشكل وافٍ عن تحسينات الجودة في السلع والخدمات، وقد جرى تناول العواقب المترتبة على ذلك في الأدبيات البحثية، ولاسيما من جانب لجنة الأكاديمية الوطنية للعلوم، التي ساقت الحجج ضد التصحيح الميكانيكي، لكن مناقشة هذه المسألة تختلف تماما عن التخلي عن مؤشر أسعار المستهلك الرسمي لمصلحة مؤشر آخر أكثر ملاءمة على المستوى السياسي، والذي يقترب من القضاء على الفقر.

وتتعلق حالة أكثر فظاظة من التلاعب في البيانات بتقرير صادر عن مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان. وبناء على دعوة من حكومة الولايات المتحدة، قام المقرر الخاص فيليب ألستون بفحص الفقر المدقع في الولايات المتحدة، وقد أرسل تقريراً بالنتائج التي توصل لها إلى مجلس حقوق الإنسان في يونيو 2018.

وتشير النتيجة إلى قراءة مروعة، إذ يوثق التقرير الأعماق غير العادية التي بلغها الفقر في أجزاء من الولايات المتحدة، ويغطي معسكرات الخيام في شوارع لوس أنجلس، وأفنية مغمورة بمياه الصرف غير المعالجة، لأن السلطات المحلية ترفض توفير الخدمات، والاستخدام الواسع النطاق للغرامات والمصادرات ضد الفقراء، والتي تستخدمها بلدات ومدن عديدة لتمويل موازناتها. وفي حين أعلن ليندون جونسون الحرب على الفقر، فإن بعض أجزاء من أميركا الآن تشن حرباً على الفقراء.

يعتقد كثيرون منا أن الفقر المدقع أكثر انتشاراً في الولايات المتحدة من أماكن أخرى، ومن المؤكد بين الدول المتقدمة، لأن شبكة الأمان الاجتماعي هناك منقوصة ومعيبة إلى حد كبير، صحيح أن إصلاح الرفاهية الاجتماعية الذي شجع العمل كان مفيداً لبعض الفقراء، لكنه كان وبالاً على الأشد فقراً، لأنه عمل على توسيع فجوة التفاوت بين الفقراء وألحق الضرر بالفئة الأسوأ حالا بينهم.

ساعدت كتب من تأليف كاثرين جيه. إيدن ولوك شيفر، وأيضاً ماثيو ديزموند، في توثيق بؤس الحياة في القاع في أميركا بالتفصيل، ويزعم شيفر وإيدن أن عِدة ملايين من الأطفال في الولايات المتحدة يعيشون على أقل من دولارين يومياً. وفي تعليق نشرته «نيويورك تايمز» في يناير 2018، أشرت إلى أن البنك الدولي ينشر الآن تقديرات للفقر العالمي تشمل الدول الغنية، وأن تلك التقديرات تُظهِر أن 5.3 ملايين شخص في الولايات المتحدة يعيشون على أقل من معادل خط الفقر العالمي.

في بياني لحجتي، استخدمت 4 دولارات للفرد الواحد في اليوم للدول الغنية، كمعادل تقريبي لخط الفقر العالمي، الذي يعادل دولارين للدول الفقيرة. وبهذا، يصبح عدد «الفقراء عالميا» في الولايات المتحدة أكبر من نظيره في سيراليون أو نيبال، وتصبح معدلات الفقر في الولايات المتحدة والصين متماثلة، على الرغم من فارق يتجاوز ثلاثة أضعاف في نصيب الفرد في الدخل بين الدولتين.

قوبلت حسابات البنك الدولي التي ذكرتها في التقرير باستنكار واسع النطاق، من جانب اليمين واليسار على حد سواء، وتزعم مؤسسة التراث أنه إذا استخدم المرء الاستهلاك، لا الدخل، فإن هذا يعني وجود 250 ألف فقير عالمي فقط في الولايات المتحدة، بصرف النظر عما إذا كان الآباء الذين يبيعون أرقام الضمان الاجتماعي المخصصة لأطفالهم من أجل البقاء، أو الذين يجازفون بسلامة أبنائهم في البحث عن مأوى، لديهم الوقت للمشاركة في الاستطلاع الخاص بالاستهلاك.

من ناحية أخرى، يرفض كثيرون على اليسار أن يصدقوا أن أي أميركي قد يبلغ من الفقر حداً يجعله متساوياً مع الأشد فقراً في إفريقيا أو آسيا، وفي حين يريد اليمين تقليل التحويلات المحلية، يريد اليسار زيادة التحويلات الخارجية.

ثم تتخذ القصة منعطفاً سريالياً؛ إذ أثار تقرير ألستون نوبة من التوبيخ الغاضب من جانب سفيرة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة، نيكي هالي، التي زعمت أنه «من السخف الشديد أن تدرس الأمم المتحدة الفقر في أميركا»، فضلاً عن رد رسمي من الولايات المتحدة يقول إن أرقام ألستون كانت خاطئة، غير أن الأرقام الوحيدة التي استخدمها ألستون جاءت من مكتب الإحصاء في الولايات المتحدة، والتي تمثل التقدير الذي وُصِف في الرد على أنه «الرقم المبالغ فيه الذي استشهد به المقرر الخاص»، ثم استشهد رد الولايات المتحدة بحسابات مؤسسة التراث، التي تقوم على خط الفقر الذي حددته شخصياً بأربعة دولارات.

بعد ذلك، وربما من قبيل المصادفة البحتة، سحبت إدارة ترامب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان، وكانت النتيجة أن هالي لم تحضر عرض التقرير. وقد أشارت، كما فعل مجلس المستشارين الاقتصاديين، إلى أن إدارة ترامب تعرف كيف تعالج الفقر المدقع، وذلك بإجبار الناس على العمل.

ربما يكون هذا صحيحاً أو لا يكون، لكن من المؤكد أن شجب تقديرات مكتب الإحصاء لمصلحة تقديرات مؤسسة التراث أو العبث بمؤشر أسعار المستهلك، ثم التعامل مع الأرقام البديلة على أنها أرجح من الإحصاءات الرسمية، يتجاوز كل حدود المعقول.

لقد أثبتت إدارة ترامب في عام 2018 أنها لن تعترف بأي عيب، سواء كان الفقر المدقع أو حصيلة الضحايا غير المعقولة في أعقاب إعصار ماريا في بورتوريكو، وليس هناك من الأسباب ما يدعو إلى الاعتقاد بأن المزيد من التشويه للحقيقة، وما ينطوي عليه هذا السلوك للديمقراطية، لن يتكرر في العام المقبل.

*حائز «نوبل» في علوم الاقتصاد عام 2015، وأستاذ الاقتصاد والشؤون الدولية الفخري في كلية وودرو ويلسون للشؤون العامة والدولية في جامعة برينستون، ومؤلف كتاب «الهروب العظيم: الصحة، والثروة، ومنشأ التفاوت بين الناس».

« أنجوس ديتون*»