يصادف اليوم مرور الذكرى الأربعين على وفاة أحد رموز المسرح والتلفزيون والإعلام في الكويت الرائد المبدع صقر الرشود (1941- 1978)، الذي رفع اسم الكويت عالياً وأثبت علو كعبها في مجال الفن المسرحي على مستوى العالم العربي، عندما أخرج رائعته "علي جناح التبريزي وتابعه قفه" من تأليف الكاتب المصري الراحل ألفريد فرج وبطولة نجوم فرقة المسرح الأهلي (منتخب من الفرق المسرحية الأهلية الكويتية).

فقيد الفن الكويتي صقر سلمان الرشود، بدأت علاقته بالمسرح في إطار الكتابة، إذ ألّف أول نص مسرحي مكتوب على الورق لفرقة المسرح الشعبي، وهو في سن التاسعة عشرة من عمره، منهياً فترة المسرحيات القصيرة المرتجلة لفرقة "الشعبي"، من خلال نص "تقاليد"، الذي أخرجه الرائد المسرحي الراحل محمد النشمي، عام 1960.

Ad

من هنا نرى الرشود ربما دون أن يدرك أنه أصبح رائداً في كتابة أول نص لفرقة المسرح الشعبي، وهو لم يبلغ العشرين من عمره، وظل حريصاً على ممارسة الكتابة المسرحية لإيمانه العميق بالمسرح كفكر وثقافة، كما شارك أيضاً في الإخراج والتمثيل.

أنشأ الرشود المسرح الوطني بعيداً عن المسرح الشعبي، كي يرضي طموحه، ومقره في الوحدة الاجتماعية في الجهراء، وبدأ بمسرحية "فتحنا" من تأليفه عام 1961، وبعد فترة تفككت هذه الفرقة بانتهاء عملها اليتيم، وتخوف الراحل من تكرار فشل هذه الفرقة، إذ تردد كثيراً عندما تحمست مجموعة من المخرجين والممثلين والموظفين في إذاعة الكويت ومنهم سالم الفقعان وعبدالعزيز الفهد ومنصور المنصور ومكي القلاف وعبدالله خلف وحياة الفهد لتكوين فرقة مسرحية جديدة بعد إنشاء فرقة المسرح العربي، ووضعوا اسمه ضمن قائمة المؤسسين الـ 16 لفرقة الجديدة واسمها مسرح الخليج العربي، وتم نشرها في الجريدة الرسمية في أوائل يونيو عام 1963، فتحمس الرشود بعد أيام ليقدم عمله الأول "بسافر وبس" من إعداده وإخراجه وتأليف ثلاثي المسرح، في 15 يوليو 1963، وتتالت بعد ذلك الأعمال المسرحية، وهي من إخراجه: الخطأ والفضيحة (تأليف مكي القلاف)، الأسرة الضائعة (فكرة عبدالعزيز السريع وإعداد السريع والرشود ومحبوب العبدالله)، أنا والأيام (تأليف الرشود)، الجوع (تأليف عبدالعزيز السريع)، المخلب الكبير (تأليف الرشود)، الطين (تأليف الرشود)، عنده شهادة (تأليف عبدالعزيز السريع)، الحاجز (تأليف الرشود)، لمن القرار الأخير (تأليف عبدالعزيز السريع)، بخور أم جاسم (تأليف الفنان الراحل محمد السريع)، فلوس ونفوس (تأليف عبدالعزيز السريع)، الدرجة الرابعة (تأليف عبدالعزيز السريع)، 1 2 3 4 بم (أول تجربة تأليف مشترك لعبدالعزيز السريع وصقر الرشود)، ضاع الديك (تأليف عبدالعزيز السريع)، شياطين ليلة الجمعة (تأليف السريع والرشود)، بحمدون المحطة (تأليف السريع والرشود)، حفلة على الخازوق (تأليف الكاتب المصري الراحل محفوظ عبدالرحمن)، الواوي (ثلاث مسرحيات ذات فصل واحد): الهدامة (تأليف مهدي الصايغ) وتحت المرزام (تأليف نواف أبو الهيجاء) ومجنون سوسو (تأليف محمد السريع)، متاعب صيف (تأليف سليمان الخليفي)، عريس لبنت السلطان (تأليف محفوظ عبدالرحمن).

ومن أعمال الرشود، التي لاقت قبولاً لدى النقاد، مسرحية "شياطين ليلة الجمعة"، إذ قال عنها الناقد د. محمد حسن عبدالله: "ظهرت المأثورات والألعاب الشعبية بطريقة واضحة واستثمرها في هذا العرض استثماراً طيباً وأدخل من عناصر التشويق ما لم يعهد لديه من قبل... لقد كانت المسرحيات التي أخذت موضوعها من حكايات تراثنا الشعبي أروع ما شهدت الخشبة في الكويت، وهي تمثل مرحلة النضوج في أسلوب الإخراج عند صقر الرشود".

أما مسرحية "علي جناح التبريزي وتابعه قفه"، التي عرضت في مهرجان دمشق المسرحي بدورته السادسة، على مسرح الحمراء، فقد أدرك من حضر العمل أن الكويت تحتوي حركة مسرحية جادة، تؤكد مكانتها بمسيرة مزدهرة في هذا الحقل، وبالفعل حصل على الجائزة الأولى، وحظيت المسرحية بإقبال جماهيري كبير، إضافة إلى الكتابات النقدية الإيجابية، وقد حمل نجوم المسرح الجامعي في سورية القائمين على المسرحية على أكتافهم من مسرح الحمراء إلى فندق الشرق، بعد العرض.

ومرة أخرى في العام التالي أبهر الجمهور بمسرحية "حفلة على الخازوق" وربما لا يعرف البعض أن الكاتب عبدالعزيز السريع قد رشح هذا النص الذي ألفه محفوظ عبدالرحمن للمخرج الرشود.

ولعل الكثير ممن عاصروا وعايشوا الرشود، يعلمون تماماً أنه رجل مسرح بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، يعرف كيفية إيجاد النص المناسب أو خلقه، ونورد هنا ما جاء على لسان الرشود نفسه: "بطبيعة الحال النص مشكلة من المشاكل، لكن الإنسان يستطيع أن يبحث ليجد النص، والآن توجد تقليعة جديدة بالنسبة للمخرجين، الذين يتبعون المدارس الحديثة، إذا لم يجد النص، هو يستطيع أن يخلق نصاً، ثمة تجربة فريدة للمخرج الكبير الطيب الصديقي في (حول مقامات بديع الزمان الهمذاني) الذي بدوره قدمها بتوليفة فنية، وتجربة أخرى عند قاسم محمد في العراق، في مسرحية (بغداد الأزل بين الجد والهزل) التي استقاها من التراث".

كان الراحل مذيعاً وقارئاً لنشرات الأخبار، في الإذاعة والتلفزيون، لإجادته اللغة العربية، وكان محاوراً جيداً إذ أجرى العديد من المقابلات التلفزيونية من خلال "حياتي في ساعة"، من بينها مع المطرب الراحل عوض دوخي والشاعر نزار قباني.

توفي الرشود فجر 25 ديسمبر 1978 في دولة الإمارات العربية المتحدة إثر حادث سير وهو يمارس عمله وواجبه الوطني كمستشار مسرحي في وزارة الإعلام والثقافة، أُطلق اسمه على المسرح الذي تأسس في إمارة رأس الخيمة عام 1976 وعلى المسرح الشعبي في إمارة دبي تخليداً لذكراه.

السريع: تمسك بمشهد الصناديق في «حفلة على الخازوق»

قال رفيق درب صقر الرشود، الكاتب المسرحي الكبير عبدالعزيز السريع في منارة الراحل الثقافية، من خلال تجربتي معه منذ عام 1963 إلى يوم وفاته في عام 1978، تعرفت خلال هذه الفترة على صفاته عن كثب، فهو حاد المزاج يحب بعمق لكنه ينسى نفسه في حال التوتر والاضطراب لا يكره أحداً بينما هو سريع الغضب، مشيراً إلى نفاذ بصيرته الفنية مستذكراً مسرحية "حفلة على الخازوق" التي تتضمن مشهد الصناديق، مقترحاً على الرشود حذف المشهد نظراً إلى تذمر المسؤولين في المسرح من كمية الأخشاب المستخدمة ونوعيتها الباهظة الثمن، مؤكداً تمسك الرشود بهذا المشهد، وبعد العرض نال هذا المشهد استحسان الجمهور والنقاد وبات علامة فارقة ومن المشاهد التي رسخت في ذاكرة الجمهور على مدى الأعوام.