من المؤسف أن عام 2018 لن يذكره التاريخ على أنه عام النجاحات السياسية والدبلوماسية، فرغم أن النظام العالمي قد بدأ يتراجع منذ 2017، فإن الظروف السياسية العالمية أصبحت فوضوية وسريعة التوتر وعدوانية بكل ما في الكلمة من معنى، وهذا الوصف ليس اعتباطيا، حيث إنه الأنسب لوصف الولايات المتحدة الأميركية بقيادة ترامب.

ومنذ يناير 2018، عندما أعلنت إداة ترامب فرضها للضرائب على الألواح الشمسية المستوردة وآلات الغسل، عرف هذا العام "حربا تجارية" تتصاعد وتيرتها، أساسا لا حصرياً، بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، وأثرت الخلافات بشأن الضرائب القائمة على منظمة التجارة العالمية وعززت عدم الثقة المتبادلة في العلاقات الصينية الأميركية.

Ad

ومن جهتها، ألغت الصين هذا العام، حدود الفترة الرئاسية، مما سبب مخاوف من أن ما يطلق عليه الحقبة الجديدة للرئيس شي جين بين ستنهي فترة القيادة المشتركة التي أطلقتها إصلاحات دينغ شياو بينغ، التي كانت في نفس الوقت إصلاحاً للعبادة الشخصية لماو، وقد تكون هذه النقلة مؤشرا أيضا على التخلي عن القيود التي وضعها دينغ على السياسة الخارجية للعلامة التجارية.

كما أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رُشِّح من جديد في مارس، ولم يفاجئ هذا أحدا. وفي عهد بوتين، بدأت روسيا تظهر من جديد كقوة جيوسياسية، ومع ذلك، فإن اقتصادها راكد جوهريا، وهذا راجع إلى حد ما إلى اعتمادها المفرط على الهيدروكربونات، ونظرا لغياب النمو، اعتمد بوتين على السياسة الخارجية لدعم شعبيته.

فعلى سبيل المثال، رحب السكرتير الصحافي لحملة بوتين برد الحكومة البريطانية على الهجوم الشالّ للأعصاب على سيرجي ويوليا سكريبال، لأنه كان من الممكن أن يعبئ مؤيدي بوتين استعدادا للانتخابات الرئاسية. وقد يكون قرار الكرملين الأخير بمحاصرة الموانئ الأوكرانية في بحر أزوف، خطة لتعزيز نسبة قبول بوتين محليا من بين أهداف أخرى. والخطر الآن يكمن في أن كلاً من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا ستتوقفان عن تنفيذ معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى، مما يشكل خطرا جديدا وقويا على أوروبا بشكل خاص.

وبالتوازي مع هذه الأحداث، يواصل الشرق الأوسط لعب دور ساحة حرب لأحد أكثر النزاعات عنفا في العالم، ورغم أن تنظيم الدولة مستمر في التراجع، فإنه بعيد كل البعد عن الهزيمة- على خلاف ما قاله ترامب- كما أن حصيلة القتلى جراء الحرب الأهلية في سورية مستمرة في الارتفاع. هذا بالإضافة إلى أن خطورة الكارثة الإنسانية في اليمن تتزايد، رغم استئناف المفاوضات التي تعثرت في عام 2016، وتحقيقها على الأقل لبعض التقدم.

وفي أفغانستان، مازالت الحرب التي تصنف بأطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة متواصلة، ويقدر أن "طالبان" تسيطر على الأقاليم أكثر من أي وقت مضى، وذلك منذ الإطاحة بحكومتها في عام 2001.

ورغم بعض التطورات التي عرفتها مؤخرا النزاعات التي ذكرتها سابقا، فإن دعائم السياسة العامة لإدارة ترامب في الشرق الأوسط بقيت كما هي في عام 2018. وأكدت الولايات المتحدة دعمها لمحور إسرائيل والسعودية والإمارات، التي تعتبرها حصنا ضد إيران، وفي ماي، نقلت إدارة ترامب السفارة الأميركية من إسرائيل إلى القدس، وخلال نفس الشهر، تخلت على الاتفاق النووي مع إيران لعام 2015، وأصدرت قرارا تعسفيا يقضي بإعادة فرض ضرائب خارج الدولة، مما يعكس تزايد تسليح الدولار الأميركي.

وعلاوة على هذا، أظهر ترامب بوضوح، من خلال دعمه للحكومة السعودية ضد وكالاته الاستخباراتية في جريمة قتل خاشقجي في أكتوبر الماضي أن أقرب الطرق إلى قلبه هي معاداة إيران وشراء الأسلحة الأميركية. وأسفرت سياسته الواسعة النطاق في الشرق الأوسط عن تعزيز المتعنتين العسكريين في جميع أنحاء المنطقة. وفي الواقع، دخلت إسرائيل وإيران هذا العام في أول مواجهة عسكرية مباشرة بينهما.

كما أن ترامب ساهم، بطريقة أو بأخرى، في تصاعد الشعبوية عبر أنحاء العالم في عام 2018، إذ في أميركا اللاتينية، أظهر الرئيس المكسيكي، أندريس إيمانويل لوبيز أوبرادور والرئيس المنتخب للبرازيل غايير بولسونارو أن "الشعبوية" بإمكانها أن تشمل أيديولوجيات مختلفة، وبينما يدعي الاثنان معا أنهما يمثلان "الشعب" ضد "النخبة"، انتُخب اليساري أندريس لوبيز إلى حد ما لتوبيخ ترامب، في حين يعتمد بولسونارو قومية التيار اليميني على طريقة ترامب، ويتمتع بدعم العديد من أفراد النخبة البرازيليين.

ويقول الفيلسوف الروسي ألكساندر دوجين، الذي يعتبر غالبا أحد أهم أيديولوجيي الكرملين، أن "على الشعبوية دمج قيم التيار اليميني مع الاشتراكية، والعدالة الاجتماعية ومناهضة الرأسمالية"، ويعتقد أن هذه "الشعبوية الاندماجية" تتجلى بشكل ممتاز في التحالف الحكومي الحالي لإيطاليا، الذي يشمل حركة النجوم الخمسة المناهضة للنظام التقليدي وحزب العصبة القومي.

وفي أكتوبر، افتعلت الحكومة الإيطالية نزاعا مع الاتحاد الأوروبي (الذي قدم دعما لحسن الحظ) من خلال اقتراح ميزانية تجاوزت القوانين المالية للاتحاد الأوروبي، وبرر القادة الإيطاليون سياساتهم باسم التأويل القديم لـ"السيادة"، ذاك الذي يشبه تأويل مؤيدي البريكسيت في المملكة المتحدة، الذي تدفع اعتباطيته بمستقبل بريطانيا نحو المجهول.

لقد شهد عام 2018 بعض التطورات الإيجابية، من المؤكد أن تهدئة التوتر بين الولايات المتحدة وشمال كوريا، وزيادة التقارب بين الكوريتين تطور ينبغي الترحيب به، والكثير من الفضل يرجع إلى رئيس جنوب كوريا الجنوبية مون جا ي إن، الذي استغل مناسبة الألعاب الأولمبية الشتوية في بيونغتشانغ للتحدث مع رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، وينبغي أيضا التنويه بدور ترامب في ربط علاقات دبلوماسية، أسفرت عن قمته التاريخية مع كيم، رغم أن إدارته ينبغي أن تحقق أكثر من تطور رمزي في مساعيها نحو نزع الأسلحة النووية من بينينزولا الكورية.

كما أن نتائج الانتخابات النصفية للولايات المتحدة كانت خبراً ساراً أيضا، إذ تعني مراقبة الديمقراطيين في مجلس النواب أنه، ابتداء من يناير 2019، ستخضع سياسات ترامب للمزيد من المراقبة.

وفي أوروبا، تعتمد توقعات 2019 بالأساس على ثلاثة عوامل: البريكسيت والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ومساعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتحقيق إصلاحات في الاتحاد الأوروبي، وانتخابات البرلمان الأوروبي في ماي، وعلى كل حال، نأمل أن يفوز مؤيدو الديمقراطية وسيادة القانون والاندماج الأوروبي وتعددية الأقطاب.

وبالنسبة لمن هم ضد هذه المبادئ فقد أمضوا عاما جيدا، لكنه مخطئون إن ظنوا أن من يدعم هذه القيم فقدوا الإرادة والقدرة على زرع روح التعاون والانسجام.

* خافيير سولانا

* يشغل منصب زميل بارز في معهد بروكينز ورئيس مركز ESADE للاقتصاد العالمي والعلوم الجيوسياسية.

"بروجيكت سنديكيت، 2018" بالاتفاق مع "الجريدة"