ينتهج الفنان فيصل العميري أسلوبا مختلفا في المسرح استطاع أن يتفرد به عن غيره من المسرحيين، العميري غالبا ما يضع المتفرج على مسافة منه، من ثم يقترب منه على مهد حتى يتلاقيا عند نقطة تتجلى فيها أبعاد العمل وما يريد أن يقوله كمخرج وممثل، هذا الأسلوب الذي اعتمده فيصل يضع المتلقي دائما في حالة تفكير، لا يستطيع أن يشيح بناظريه عن المسرح، يتوقف عند كل جملة ويحاول تفسير ما وراء العبارات، ورغم تباين الآراء حول أسلوب العميري الذي قد يراه نخبويا، فإن فيصل يبقى مخرجا متمكنا من أدواته ورقما صعبا في التمثيل.

مساء أمس الأول، ضرب العميري ورفاقه في فرقة المسرح الكويتي موعدا مع تجربة جديدة ضمن فعاليات مهرجان الكويت المسرحي

Ad

الـ 19 بعرض "ميلاد غريب" من تأليف محمد الرباح، وإخراج فيصل العميري، وسينوغرافيا فيصل العبيد، وتمثيل: سماح، وفيصل العميري، وعبدالله البلوشي، ومهدي القصاب، وشيماء المليجي، وغزلان. الفريق الفني والتقني: عبدالله النصار، وعبدالعزيز العبيد، وحسين الحسن، ومحمد دشتي، وأحمد الرشيدي، وحسن الرئيسي، ومكياج زينب المؤمن، وموسيقى ومؤثرات صوتية خميس الخميس.

رحلتنا مع "ميلاد غريب" كانت ممتعة، رغم قسوة الأحداث التي عاشها أبطال العمل وواكبناها منذ الوهلة الأولى حتى نهاية العرض، عمل دقيق بجميع تفاصيله، عناصره على درجة كبيرة من التناغم، بدءا من السينوغرافيا التي وظفت خلالها التقنية الحديثة، إلى جانب اشتغال العميري على مستويين في الديكور ورمزية المقعد المصنوع من القضبان، وتوظيفه ضمن السياق الدرامي للأحداث ودلالات ذلك من حيث كتابة بعض العبارات أسفله، ومن ثم انقسامه إلى جزأين، مرورا بأداء الممثلين الذي بدا واضحا أن وراءه مخرج صارم حريص على الاجتهاد، ليصل الممثلون إلى هذه الدرجة من التوحد مع الشخصيات والتعايش معها، ومن ثم التناغم بينهم جميعا.

مر العرض بمراحل عدة، ولعل ذهاب العميري إلى الإغراق في القتامة كان السبب في هبوط الإيقاع ببعض المناطق، لكنه تدارك ذلك من خلال الانتقال سريعا من مشهد إلى آخر، معتمدا على الإضاءة تارة والمؤثرات والموسيقى تارة أخرى، مشتغلا على كل مرحلة من حياة هذا الغريب بحرفية عالية، ولعل اللافت أيضا أن العميري كمخرج قدّم ممثليه بصورة مختلفة، سماح التي كانت تخرج من حالة الى أخرى بسلاسة، كذلك البلوشي الذي كان ندّا في التمثيل لفيصل، في رأيي أن العمل استطاع أن يرسخ أقدامه في منطقة صعبة، وأن يؤكد ثنائية الفيصلين ما بين تكامل السينوغرافيا والإخراج لترجمة نص صعب للكاتب الرباح.

وتدور أحداث "ميلاد غريب" حول تساؤلات وجودية يطرحها الإنسان على نفسه، وهو على بعد أمتار من مفارقة الحياة، ليسترجع ذكرى الميلاد وأهم المحطات في حياته، وكيف أثرت والدته في تشكيل وجدانه، وعلاقته بمدرسته ومحيطه، ويقفز هذا الغريب عبر الزمان إلى الخلف، ومن ثم يعود الى المستقبل، ويحاور ذاته يجلدها ويؤنبها، ويبرر لنفسه ما أقدم عليه من أفعال ليستقبل حكم الإعدام برحابة صدر.