أكدت محكمة التمييز جواز رقابة القضاء ونظره في القرارت التي تصدرها وزارة الداخلية بوضع القيود الأمنية على بعض المواطنين، رافضة اعتبارها من اعمال السيادة التي يمنع على القضاء رقابتها.

وقالت «التمييز»،، في حكم قضائي بارز، برئاسة المستشار فؤاد الزويد، أن طلبات المواطنَين رافعي الدعوى هي رفع القيد الامني عن ملف جنسيتهما، وهو طلب لا تدور المنازعة فيه حول الجنسية منعاً او منحاً، والتي تعد من اعمال السيادة، بل حول رقابة القضاء بوضع القيد الأمني على ملف جنسيتهما، وهما كويتيا الجنسية، وهو ما لا يخرج عن ولاية القضاء فهو مختص به.

Ad

ولفتت إلى ان وضع القيد الامني على المواطنين المطعون ضدهما يعد تعسفا في استعمال الحق، ودون ان تتبين من ذلك من مصلحة واضحة يرمى إليها، ولم يقصد منه الا الإضرار بمصالح المطعون ضدهما، على نحو غير مشروع، مما يعيق إنجاز معاملاتها لدى الجهات الرسمية.

وترجع وقائع الدعوى التي نظرتها محكمة أول درجة، برئاسة المستشار وليد المذكور في القضية التي أقامها المواطنان، طعنا على قرار وزارة الداخلية وضع القيد الامني على ملفهما لدى الادارة العامة للجنسية، مما ترتب عليه تعطيل إنجاز معاملاتهما وأبنائهما لدى كل الجهات الحكومية والرسمية في الدولة، مما تسبب لهما دون داعٍ أو مبرر قانوني، رغم تمتعها بالجنسية الكويتية، بأضرار، الأمر الذي دعاهما الى انذار وكيل وزارة الداخلية لرفع القيد الأمني عنهما، إلا أن «الداخلية» لم تلتفت للامر، فرفعا دعواهما القضائية.

وقالت محكمة أول درجة، في حيثيات حكمها، إنه ثبت لها من اطلاعها على أوراق الدعوى ومستنداتها ان المدعيين يهدفان من دعواهما الى رفع القيد الموضوع على ملف جنسيتهما، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها إمكانية إنجاز معاملاتهما الرسمية لدى مختلف جهات الدولة الرسمية، لافتة إلى أنه ثبت لها كذلك من ادعائهما ومما ورد بمستخرج بيانات مرجع قيد لابنهما الصادر عن الهيئة العامة للمعلومات المدنية، وامتناع المدعى عليه بصفته عن الرد على الإنذار الموجه إليه منهما برفع القيد الأمني الموضوع على ملف جنسيتهما، ونكول الجهة الإدارية المحلية المدعى عليها عن الرد على دعواهما، رغم تداولها أمام الدائرة الإدارية المحلية وأمام هذه الدائرة لتفنيد ما قد تراه مخالفا للواقع من دعواهما- أنه قد تم وضع قيد أمني على التعامل بشأن ملف جنسية المدعيين دونما مسوغ أو مبرر قانوني.

وقالت إن امتناع المدعى عليه، بصفته، عن رفع ذلك القيد الأمني يعد تعسفا منه في استعمال الحق بانحرافه عن الهدف الذي وضع ذلك الحق من أجله، دون ان تتبين المحكمة من ذلك مصلحة وضحة يرمي إليها، وأنه لم يقصد به الا الإضرار بمصالح المدعيين على نحو غير مشروع، بما يترتب عليه إلحاق الضرر بهما بعرقلة انجاز معاملاتهما لدى الجهات الرسمية لدى الدولة، ومن ثم فإن دعواهما على النحو الذي مرّ عرضه تكون قد أقيمت على سند صحيح من الواقع والقانون وتقضي لهما المحكمة بطلباتهما.

تعطيل الأحكام

وبعد صدور حكم أول درجة، رفضت الداخلية تنفيذه، رغم أنه مشمول بالنفاذ المعجل، وطعنت أمام محكمة الاستئناف، وردت «الاستئناف» على طعن الداخلية برفضه وتأييد حكم محكمة اول درجة.

وقالت «الاستئناف»، في حيثيات حكمها برئاسة المستشار عويد الثويمر إن المحكمة تقر بالأسباب التي انتهت اليها محمكة اول درجة، وتضيف اليها ردا على ما أثاره المستأنف، بصفته، بشأن عدم اختصاص القضاء ولائيا بنظر الدعوى لتعلقها بأعمال السيادة، بأنه من المقرر في قضاء محكمة التمييز أنه ولئن كان مفاد نصوص قانون الجنسية الكويتية ومذكرته الايضاحية أن مسائل الجنسية الكويتية وما يتعلق بها من قرارات تتسم بطابع سياسي أولته اعتبارات خاصة تتعلق بكيان الدولة ذاته، وهي بهذه المثابة تعد من أعمال السيادة التي تصدر من المحكمة، باعتبارها سلطة إدارة وتخرج بذلك من ولاية المحاكم، إلا انه متى كان الطلب الذي أقيم به الدعوى لا تدور المنازعة فيه حول اكتساب الجنسية الكويتية، التي تعد من اعمال السيادة التي لا تختص المحاكم بنظر الدعاوى التي ترفع بشأنها، فإن الدعوى به تخرج عن المنازعات المتعلقة بأمور الجنسية الكويتية والتي تختص بنظرها المحاكم صاحبة الولاية العامة.

وأضافت ان المستأنف ضدهما -وهما كويتيا الجنسية- أقاما دعواهما بطلب الحكم بإلغاء القرار السلبي الصادر بالامتناع عن رفع القيد الأمني عن ملف جنسيتهما، وهو طلب لا تدور المنازعة فيه حول اكتساب الجنسية الكويتية التي تعد من اعمال السيادة، وإنما يدور البحث فيها حول مدى أحقية المستأنف بصفته في وضع قيد أمني على ملف جنسيتهما، وكان ذلك من الاعمال المادية التي تباشرها الإدارة، وفقا للقواعد والشروط الواردة في القانون والقرارات الخاصة بها، بوصفها سلطة إدارة لا سلطة حكم، الامر الذي يجعل هذا النزاع بمنأى من أعمال السيادة، ويخضع لرقابة القضاء، وإذ تصدى الحكم المستأنف لهذا الطلب وقضى فيه فإنه يكون قد أعمل صحيح القانون، ويضحي الدفع بذلك على أساس... كما لا تعول المحكمة على ما أثاره المستأنف بصفته، بشأن الدفع بعدم الاختصاص النوعي، لتعلق المنازعة بإلغاء قرار إداري، لأنه مردود بأن القيد الأمني على ملف جنسية المستأنف ضدهما المطلوب رفعه لا يعدو ان يكون عملا ماديا محضاً غير مسبوق او مصحوب بقصد إحداث اثر قانوني معين من جهة الإدارة، بما ينفي عنه صفه القرار الإداري، ومن ثم تكون الدعوى بشأنه مما لا تختص به الدائرة الادارية وينعقد نظره لدوائر القضاء العادي، وكان المستأنف بصفته فيما عدا ذلك لم يأت في استئنافه بجديد يؤثر على سلامة الحكم المستأنف، الامر الذي يضحي معه الاستئناف قائما على غير سند من صحيح الواقع والقانون، مما يتعين القضاء برفضه وتأييد الحكم المستأنف.

الطعن أمام «التمييز»

وبعد تأييد «الاستئناف» حكم محكمة أول درجة طعنت «الداخلية» على الحكم أمام محكمة التمييز، بطلب الحكم بعدم اختصاص القضاء بنظر الطعون التي تقام على القيود الأمنية، لأنها من قبيل أعمال السيادة.

وقالت «التمييز»، في حيثيات حكمها، الذي رفضت فيه طعن الداخلية، مؤيدة بذلك حكمي اول درجة والاستئناف برفع القيود الامنية عنهما، إن من المقرر، وفقاً لأحكام المادة الأولى من القانون رقم 23 لسنة 1990، بشأن تنظيم القضاء، أن المحاكم هي صاحبة الولاية العامة بنظر جميع المنازعات والفصل، ولا يخرج من اختصاصها بذلك الا ما استنثني بنص صريح، والعبرة في تحديد الاختصاص لجهة القضاء هي بما يوجهه المدعي في دعواه من طلبات. ولما كان المشرع لم يورد تعريفاً او تحديداً لأعمال السيادة، التي نص في المادة الثانية من القانون المذكور على منع المحاكم من نظرها؛ فإنه يكون قد ترك أمر تحديدها للقضاء اكتفاء بإعلان مبدأ وجودها. ومن ثم تكون المحاكم هي المختصة بتقرير الوصف القانوني للعمل الصادر من الحكومة، وما اذا كان يعد من اعمال السيادة او لا يعد كذلك، ويخضع تكييف محكمة الموضوع لهذا الأمر- لرقابة «التمييز»، كما أن من المقرر أيضا ان اعمال السيادة لا تنصرف الا الى تلك الاعمال التي تتصل بالسياسة العليا او بالإجراءات التي تتخذها الحكومة، باعتبارها سلطة حكم في حدود وظيفتها السياسية، وبما لها من سلطة عليا للمحافظة على الدولة وكيانها في الداخل والخارج. أما الأعمال التي تباشرها كسلطة إدارة في حدود سلطتها الإدارية، وما تقوم به في إطار وظيفتها الإدارية تنفيذا للقوانين فلا يصدق عليها هذا الوصف، والقول بغير ذلك من شأنه أن يفضي الى تحلل الجهة الإدارية من اتباع أحكام القوانين والتزام حدودها وضوابطها والتحدي بتحصن تلك الأعمال من الرقابة القضائية، بما يحجب الافراد عن المطالبة قضاءً بحقوقهم المالية التي تنظمها القوانين واللوائح.

وأضافت «التمييز» أن احوال اكتساب الجنسية التي لا تتم إلا بقرار يصدر من الجهة الإدارية المختصة، وفقا للضوابط والإجراءات المبنية في قانون الجنسية، وهذه القرارات هي التي تتعلق بالجنسية منعا او منحا، وتتسم بطابع سياسي يرتبط بكيان الدولة وحقها في اختيار من ينضم الى جنسيتها، في ضوء ما تراه وتقدره، وتعد صوره من صور أعمال السيادة لصدورها من الحكومة بصفتها سلطة حكم لا سلطة إدارة، ولذلك أخرجها المشرع بنص صريح عن ولاية القضاء.

وتابعت: «لما كان ذلك، وكانت طلبات المطعون ضدهما بإلغاء القرار السلبي الصادر بالامتناع عن رفع القيد الأمني على ملف جنسيتهما، وهو طلب لا تدور المنازعة فيه حول الجنسية منعاً او منحاً التي تعد من اعمال السيادة، وإنما يدور البحث فيه حول رقابة القضاء في مدى احقية الطاعن، بصفته، في وضع قيد امني على ملف جنسيتهما وهما كويتيا الجنسية (المطعون ضدهما) فإنها لا تخرج عن ولاية القضاء. وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد طبق القانون على الوجه الصحيح، ويضحى النعي على غير أساس».

ولفتت المحكمة إلى أن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه، مع ما خلص اليه من المستندات المقدمة في الدعوى من بيانات مرجع قيد ابن المطعون ضدهما الصادر من الهيئة العامة للمعلومات المدنية، وامتناع الطاعن بصفته عن الرد على الإنذار الموجه إليه منهما برفع القيد الأمني الموضوع على ملف جنسيتهما، ونكول الجهة الإدارية الطاعنة بصفتها عن الرد، والهدف الذي وضع ذلك الحق من أجله بما يعد تعسفاً في استعمال الحق، ودون ان تتبين المحكمة من ذلك مصلحة واضحة يرمي إليها، وانه لم يقصد به الا الإضرار بمصالح المطعون ضدهما على نحو غير مشروع، بما ترتب عليه إلحاق الضرر بهما بعرقلة انجاز معاملاتهما لدى الجهات الرسمية بالدولة.