إلى وزير الصحة مع التحية
ماذا لو كان عدد الأطباء المتدربين في تخصص ما أكثر من عدد المرضى؟ سيتصور القارئ أن هذه يتوبيا مثالية، لكن أبداً هذه كارثة على الاختصاص الطبي وعلى المرضى أنفسهم، فلا توجد حالات جديدة يتعلم منها الطبيب، ولا يوجد تراكم خبرات معرفية يستفيد منها الطبيب المختص أولاً والمرضى بالتبعية.باختصار هذا ما حدث مع إمبراطورية كيمز (معهد الكويت للاختصاصات الطبية)، وهو الجهة الرسمية المشرفة على تدريب وتأهيل كوادر الأطباء المختصين للعمل في المستشفيات، حين حل وزير الصحة مجلس كلية والبورد للمسالك البولية، بناء على نصيحة وتوصية من الأمين العام لـ"كيمز"، وضرب الوزير بصفته رئيس مجلس أمناء هذا المعهد عرض الحائط برأي أغلبية الجراحين المختصين، وعددهم يقرب من ستة عشر مختصاً، وآثر وجهة نظر أقلية من أربعة أطباء لم يكونوا على وفاق مع رأي الأغلبية.
16 جراحاً للمسالك البولية، وهم من أفضل الأطباء الجراحين في مجالهم، قدموا تظلماً للوزير، وعقدوا مؤتمراً صحافياً، وتكلموا بصوت عال، وقالوا إن ما حدث غير معقول وغير مقبول، فنحن قمنا في النهاية بتنفيذ تعليمات هذا المعهد الطبي ذاته في تحديد المؤهل وغير المؤهل للعمل، فكيف يتم عقاب كلية المسالك البولية لأنها قامت بتنفيذ القانون بحسن نية كما يفترض، ومن سيدفع الثمن في النهاية غير المرضى أنفسهم، وهذا يناقض المصلحة العامة.لم ينصت وزير الصحة لتظلم وشكوى أغلبية أطباء كلية المسالك البولية، بعد قراره بحل مجلس كليتهم، وهو أمر محزن أن يكون هو الخصم والحكم في آن واحد، وكان يفترض أن يسمع وجهة نظر الأغلبية، وبعدها يتخذ القرار الصحيح بما يتفق مع المصلحة العامة للدولة، لكن هذا للأسف لم يحصل، وكان رد الوزير على التظلم وشكوى الأطباء المختصين، بعد قيامه بحل مجلس الكلية، أنه حدد برامج التدريب للأطباء في مستشفيين فقط من أصل سبعة مستشفيات، والنتيجة أن الأطباء الذين يفترض بهم التدرب قد يصبح عددهم أكثر من المرضى، بعد حصر التدريب في هذين المستشفيين، وهنا يصح المثل الكويتي "تعلم التحسونه بروس القرعان"! ويا ساتر، حين يكون القرعان هم مرضى يعانون الويل والألم الشديد في صحتهم، بسبب حساسية هذا التخصص.قد نتجرع ونتحمل على مضض قضايا الواسطة والمحسوبية وفلسفة سرطان "إذا حبتك عيني ما ضامك الدهر" المستشري في معظم إدارات الدولة، وهي كلها تقع تحت بند الفساد الإداري التابع للفساد السياسي، لكن أن يصل هذا الداء إلى صحة البشر في وزارة الصحة، حين يستمع المسؤول الكبير لرأي المقربين منه، ويميزهم عن غيرهم، فهذه كارثة.كفاية علينا مصيبة العلاج السياحي بالخارج، الذي هو وباء الترضيات والرشوة السياسية الذي أدمنته السلطة، وكفاية علينا تدخلات عدد كبير من النواب ومتنفذين بالسلطة الحاكمة في تعيين المقربين منهم في إدارات محددة بالدولة، بميزات مادية إضافية غير متوافرة عند قرنائهم في الكفاءة، وحتى في أحايين كثيرة، محاولة هؤلاء المتسلطين في فرض طريقة العلاج رغم أنف الطبيب المعالج، لأن المريض "في آي بي" عندهم، لكن أن نصل اليوم لهذا الحد في تجاوز الأعراف الطبية، مثلما حدث مع كلية المسالك البولية المنحلة، فماذا نعمل معكم...؟!!