المتابع لمشوار الفنان والمخرج المسرحي نصار النصار يتلمّس تفاعله مع محيطه العربي وانشغاله بقضايا وطنه الأكبر، إذ لا يمر على أي حدث مرور الكرام، بل يتوقف ويبدي وجهة نظره تجاهه فنياً، وليس هناك أفضل من المسرح ليكون منبراً يسجل من خلاله اعتراضه على ما يشهده الوطن العربي والعالم من حروب راح ضحيتها الآلاف.على مسرح الدسمة، تابع جمهور مهرجان الكويت المسرحي، مساء أمس الأول، في دورته الـ 19 تجربة المخرج النصار الجديدة مع فرقة الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، مسرحية «دوغمائية» التي كتب أحداثها علي البلوشي وشارك في بطولتها بدر الحلاق، ورازي الشطي، وهاني الهزاع، وغدير حسن، وبشاير الشنيفي، وفاطمة العصيمي، وماجد البلوشي، بينما تكون الفريق الفني من عازف كيبورد سعود السعد، وعازف ناي وعود فهد البحري، وأزياء وديكور أسماء عيسى، ودراماتورج فلول الفيلكاوي، إضاءة ومخرج منفذ فاضل النصار، وإشراف فني د. نبيل الفيلكاوي، وإشراف عام د. حسين المكيمي.
تقع أحداث العمل في مكان غير معروف وزمان لم يحدده الكاتب، فوق بقعة من الأرض غير واضحة المعالم، هناك حيث يعاني شعب من ويلات الحروب تتكشف لنا آثام قتلة الأطفال والعزل من النساء والكبار، آلة الحرب التي لا ترحم أحداً، تدهس أحلام الصبيان وطموح الشباب ومستقبل الأسر، تلك الفكرة التي صاغها الكاتب من خلال مجموعة من الجنود في حركة مستمرة على المسرح وفق تشكيلات محدة ينفصل كل فترة أحدهم ليتحدث عن مأساته مع الحرب، ربما تبدو القصة مكررة وسبق طرحها في أعمال عدة وتحمل طابعاً خطابياً وهو من النصوص الصعبة، لكن التحدي هنا كيف ترجمها معها المخرج بصرياً، لا يختلف اثنان على أن النصار مخرج طموح ولديه شغف كبير بالتعبير والحركي ويجيد تحريك الممثلين على المسرح، وتجلى ذلك في تعامله مع هذا النص، فرغم أننا كنا أمام فكرة تدور في حلقة مفرغة فإن سرعة الايقاع والانتقال من مشهد لآخر بسلاسة وتوظيف السينوغرافيا ساهما في عدم تسرب الملل للجمهور.
توظيف التمثيل
وظف النصار ممثليه بذكاء، وبدا ذلك واضحاً من المشهد الأول إذ تسير المجموعة وفق نسق نظامي محدد تمسك بعصا ترمز إلى السلاح، أضف إلى ذلك أن أزياءهم قريبة الشبه بملابس الجنود ويتدلى من رقبة كل منهم سلسلة معلق فيها رقم، ما وراء هذا الشكل تفسيرات عدة، فهم أفراد شعب أجبروا على خوض حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، سلاحهم الذي بين أيديهم قد يقتلوا به أنفسهم قبل أن يوجه إلى الآخر، ميز أداء الممثلين تناغمهم وديناميكية الحركة والحفاظ على الحالة نفسها من الخوف والفزع، ساهمت في ذلك تشكيلات الإضاءة التي اعتمدها المخرج، فكان اللون الأزرق، الذي يرمز إلى الخوف والتوتر، سائداً تخلله الأحمر في مشاهد القتل والدمار، واختار ـن يختتم المخرج عمله بنفس مشهد البداية ليؤكد فكرة أن الحرب لا تولد إلا الحرب.«من هو المسرحي؟» تختتم أنشطة المركز الإعلامي
اختتم المركز الإعلامي التابع لمهرجان الكويت المسرحي أنشطته بجلسة حوارية جاءت تحت عنوان «من هو المسرحي؟» شارك فيها مجموعة من ضيوف متابعي المهرجان، وأدارها رئيس المركز الزميل مفرح الشمري، الذي استطاع أن يخرج بفعاليات هذا العام عن السائد والمألوف بشهادة الضيوف.يقول الناقد سيد علي إسماعيل إن المسرح العربي ارتكز على الموهبة في المقام الأول، وهي التي تحركت وتطورت بالغناء والدراسة والتفرغ المسرحي من يخلص للمسرح ويضيف له.العماني أحمد البلوشي اكتفى بالقول إن المسرحي الحقيقي هو من يضحّي من أجل مجتمعه.في حين ذكر الناقد البحريني يوسف الحمدان أن يصبح عصيا عليه وعلى زملائه إعطاء مفهوم وتعريف مكتمل الأركان عن المسرحي، مكتفيا بالقول إن المسرحي هو من يرتقي بفنه الداخلي ويشع نورا على الجمهور.من جهته، قال المخرج ومهندس الديكور فيصل العبيد إن المسرحي هو من جعل المسرح منزله وفريق عمله أفراد أسرته، المسرحي هو المثقف والمتخصص وصاحب المنبر على «الركح»، وهو من حمل هموم مجتمعه وهو الإنسان، موضحا أن الفنان المخلص هو المسرحي الحقيقي ضاربا المثل بالفنانين عبدالله البيلوشي، الذي اعتذر عن أربعة أعمال تلفزيونية وعبدالله التركماني الذي اعتذر عن فيلم سينمائي التزاما وحبا وشغفا بالمسرح. الفنان عبدالله التركماني فضل أشار إلى أنه يرى أن كل شخص يحلم ويتخيل ويحمل الهم والألم والمعاناة هو مسرحي، وكل من يحقق الفرجة البصرية والمتعة والرسالة هو مسرحي.أما الكلمة الأخيرة ومسك الختام فكانت لمدير المهرجان أحمد التتان الذي أكد أن المسرحي ليش شرطا بأن يكون ممثلا فوق الخشبة، بل كل عنصر مهم ورئيس في أي زاوية من زوايا المسرح يستحق أن نطلق عليه لقب مسرحي.وكان المركز الإعلامي قد احتفى بمسيرة الرائد المسرحي الراحل فؤاد الشطي بجلسة حوارية ناقش خلالها نخبة من المسرحيين الخليجيين والعرب كتاب «فؤاد الشطي... صانع العرض المسرحي» للإعلامي العراقي ظافر جلود.