فلسفة التشكيل الحكومي بحاجة إلى نسف من أساسها، إذ لا يمكن أن يستمر النهج التقليدي القائم على مقولة "الحكومة أبخص" مع طبيعة المتغيرات والتحديات وعصر المعلومات الرقمية الخارق في السرعة، ولا يجوز أن تبقى عقلية "ماشيين على البركة" سيدة الموقف دونما اعتبار للتحولات السياسية التي تعصف بالعالم وحتى التدرج الديمقراطي المحدود الذي عاشته الكويت منذ العمل بالدستور عام 1963.التعديل الحكومي الأخير، ومع خالص تقديرنا واحترامنا لشخوص من تحملوا المسؤولية وتمنياتنا لهم بالتوفيق والنجاح، لم يخرج عن القواعد التقليدية والتشاور في حدود ديوانية صغيرة وبتوصيات خاصة جداً من أصحاب الحظوة المعدودين على أصابع اليد الواحدة، نعم قد يشتمل التشكيل الجديد على عناصر تتمتع بالكفاءة والنزاهة والتفاؤل، مثلهم كمثل العشرات ممن سبقوهم على مدى عقود طويلة، ولكنهم سوف يصطدمون كما أسلافهم بالواقع المر، حيث إن الطريق أمامهم ليس معبداً بالورد ولا يوجد ضوء أخضر يستمر وميضه للعمل والإصلاح.
وبدعة الدماء الجديدة التي قد يطالب بها البعض عن حسن نية ليس لها محل من الإعراب على الإطلاق، فالوزراء الجدد جميعهم من الدماء الجديدة، ولكنهم حلوا محل وزراء كانوا أيضاً من الدماء الجديدة، بل إن تاريخ الحكومة الكويتية يعكس بوضوح أن ما لا يقل عن 70 في المئة من الوزراء تولوا حقائب وزارية مرة واحدة، أي أنهم من أصحاب الدماء الجديدة دخلوا وخرجوا الوزارة بصمت ودون إحداث أي فارق يذكر.نفس الحكومة ومن يطبل لها يُقِيمون الدنيا ولا يقعدونها عندما يتعرض وزير للاستجواب أو تصل المسألة إلى مرحلة طرح الثقة، ويعلون صراخهم واحتجاجهم بأن هذا الوزير "ولد ناس" أو "بنت ناس" ولا يجوز أن يتعرض للإهانة أو يفرض عليه ترك المنصب خارج إرادته، وإن فشل في الدفاع عن نفسه عند المساءلة، ولكن عندما يقال للوزير "اقضب الباب" في التعديلات الحكومية فإن مقولة "ولد ناس" لا قيمة لها على الإطلاق، بل قد يصفق لها الجمهور مع كم هائل من التندر والشماتة!الوزراء عندنا في أغلب الأحيان، مجرد موظفين بامتيازات عالية، وينبغي أن يتحولوا إلى أدوات مطيعة تنفذ الأوامر وإن تطلب ذلك أن يلحسوا مبادئهم السابقة وقناعاتهم الشخصية وحتى البرامج التي يطمحون إلى تحقيقها، والدليل على ذلك أن هناك ثوابت لا يتعدون مجموعة صغيرة في السلطة التنفيذية هم الدائمون، أما الغالبية العظمى من الوزراء المتعاقبين فمتغيرات وبعمر افتراضي قصير جداً.لذلك فإن النتيجة التي نراها تتمثل في التراجع المستمر والعجز عن تحقيق أية إنجازات حقيقية في ظل بقاء وتنامي ظواهر الفساد بكل أنواعه رغم تبدل الحكومات شكلياً عشرات المرات.لا نقول مثل هذا الكلام لتكريس هذا الواقع المتعفن ولا من باب خلق روح الإحباط في الإخوة الأفاضل الوزراء الجدد، ولكن انطلاقاً من المحبة الصادقة وتحفيزهم لأن يكون وزراء كما نص على وجودهم دستور دولة الكويت كرجال دولة يحددون السياسات العامة لبلدهم وشعبهم، وأول متطلبات هذا الدور المسؤول هو العمل الجاد نحو تغيير النهج والعقلية البالية في فلسفة الحكومة، وهذا اختبار صعب بالتأكيد. وختاماً أتمنى أن ينظر الجميع إلى اليوم الذي يخرج فيه الوزير من الوزارة، وليس اليوم الأول لدخوله!
مقالات - اضافات
كل حكومة وأنتم بخير!
28-12-2018