إليكِ أكتب، أيتها المرأة، وبهذا المقال أخصك، عزيزتي... أما بعد! فماذا بعد المطالبة بحقوقك؟ وماذا بعد طرح قضيتك أمام المجتمع كي تعيها قريناتك ويدرك حجمها الرجل؟ هل وجدتِ خطوات عملية لتحقيق العدالة التي تسعين إليها؟نعم، أتفهم غضبك طوال هذه السنين، فنحن نتحدث عن قرون طويلة من القمع وانعدام العدالة، ورسوخ هذا الظلم في ذاكرة النساء الجمعية، بل ذاكرة البشرية كلها... لكن أحياناً يكون الطرح الغاضب أعمى، فيفسد قضيتك ويُنفّر المجتمع منها، لذلك لابد من الرقي في الطرح واتباع الاستراتيجيات الفعالة لنشر الوعي.
ثانياً، أسألك: لماذا أصبح السواد الأعظم من الطرح النسوي مجرد شكوى سلبية فحسب؟ الاستمرار بلعب دور الضحية لن يؤدي بك إلى التحرك ولو خطوة إلى الأمام! لذا بدلاً من الشكوى المستمرة أنصحك بالتحلي ببعض الشجاعة والسير قدماً في تحقيق أحلامك وتشكيل حياتك كما تشائين. نعم، قد تواجهين بعض الانتقاد والمقاومة ممن لا يعجبه نهجك الفكري واختياراتك الحياتية أو حتى لباسك، لكن يجب أن تضعي الحدود الواضحة التي تحمي قراراتك. سيتقبل الآخرون اختلافك لا محالة بعد مرور فترة من الزمن، خصوصاً إذا ما رأوا مدى إيمانك بأهدافك ومبادئك، وأن ما تقومين به ليس مجرد تمرد خاوٍ.أسلوب الصدمة نادراً ما ينجح، بل قد يجر عليك الكثير من المشاكل فيضعك في إطار الثورة غير الناضجة، لذا لابد من الرفق والتدرج في خطواتك. لا تفقدي الصبر، فبهذه الطريقة ستصلين إلى مآلك بأقل الأضرار.تذكري أن الدستور كفل للمرأة معظم حقوقها، وهنا يأتي دورك في إذابة القيود والعوائق الاجتماعية.حريتك نعمة، فاستغليها في الإنجاز وتحقيق أحلامك. لا تسيئي استخدام هذه الهبة في الهوس بالسطحيات والتفاهة، فكيف إذاً سيأخذ المجتمع قضيتك على محمل الجد بينما لا تتعدى اهتماماتك دائرة الموضة والتجميل؟إن توجيه أصابع اللوم والاتهام إلى الرجل لن يصل بنا إلى أي حلول، بل سيؤدي إلى رد فعل دفاعي منقبض، ليس كل الرجال سيئون، بل هنالك الكثير ممن يقدر ويحترم إنسانية المرأة، ابدئي بتقدير دور الرجل وإسهاماته في حياتك، وسترين كيف سيساندك في رحلتك، فأدوارنا متكاملة متعاونة في هذه الحياة.انظري حولك إلى نتائج الطرح الانفعالي غير الناضج...فقد أصبح الكثير يرى دعاة النسوية مجرد أبواق غاضبة لا تمل الشكوى والتركيز على صغائر الأمور بدلاً من المعالجة الجذرية للمشاكل، فأصبحت "النسوية" بذلك مادة للتندر والسخرية للأسف. ابتعدي عن الطرح النخبوي، وتذكري شقيقاتك الأقل حظاً ممن يصارعن للحصول على أبسط حقوقهن في البيئات الأقل تعليماً والأكثر تزمتاً.أما الأهم من ذلك كله: فكيف تتوقعين أن يتحسن حال المرأة دون أن تحسن النساء علاقاتهن بعضهن ببعض من خلال الدعم والتشجيع المتبادل؟ لابد من التخلص من الغيرة النسائية وتغذية علاقاتهن عن طريق الصداقة والعمل المشترك وخلق شبكات تواصل وأنشطة متنوعة توحد صفوفهن وتبرز إسهاماتهن في المجتمع.لذا لابد من إعادة النظر في الطرح النسوي الحالي، وتقديمه بصورة ناضجة يمكن للمجتمع بمختلف أطيافه استيعابها ونقاشها مما يخلق حواراً متمدناً، وكذلك الاستفادة من التجربة النسوية الغربية والتعلم من أخطائها بدلاً من استيرادها كما هي، هكذا سيتحسن حال المرأة.
مقالات - اضافات
الخطوة القادمة
28-12-2018